السبت، 3 سبتمبر 2011

(5) كيف خُلق آدم؟ هداية الحيارى الباب الأول

(5) كيف خُلق آدم؟ هداية الحيارى الباب الأول
كيف ُخلق آدم:-
فبعد أن خلق الله الكون بمشتملاته العديدة، التي قدرها الحق تبارك وتعالي - أراد أن يعمر ذلك الكون ، فأوحي إلي الأرض أني خالق  منك خلقا ، منهم منْ يطيعني ، ومنهم منْ يعصاني ، فمنْ أطاعني أدخلته الجنة ، ومنْ عصاني أدخلته النار ، ثم بعث إليها جبريل  - عليه السلام -  ليأتي بقبضة من تراب الأرض ، فلما آتاها جبريل ليقبض منها القبضة ، قالت له الأرض: إني أعوز بعزة الذي أرسلك أن تأخذ مني شيئا يكون فيه غدا للنار نصيب .
 فيرجع جبريل إلي ربه ، ولم يأخذ منها شيئا ، وقال : يا رب استعاذت بك ، فكرهت أن أقدم عليها.
 فأمر الله عز وجل - ميكائيل - عليه السلام -  ، فأتي الأرض ، فاستعاذت بالله ولم يأخذ منها
شيئا، كما فعلت مع جبريل - عليه السلام ، فرجع ميكائيل إلي ربه، ولم يأخذ منها شيئا.
فبعث الله ملك الموت ،فأتي الأرض فاستعاذت بالله ، أن يأخذ منها شيئا ، فقال  ملك الموت : واني أعوز بالله أن اعصي له أمرا ، فقبض قبضة من زواياها الأربع ، من أديمها الأعلى ، ومن سبختها وطينها ، وأحمرها وأسودها وأبيضها ، وسهلها وحزنها ،  فكان ذلك الاختلاف  في ذرية آدم حيث كان منهم: الطيب والخبيث ، والصالح والطالح ، والجميل والقبيح ، وكذلك اختلفت صورهم وألوانهم.
قال تعالي: [وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ] {الرُّوم:22}  
 ثم صعد بقبضة التراب ملك الموت إلي الله - جلت قدرته - فأمره أن يجعلها طينا ويخمرها فعجنها بالماء المر والعذب والملح ، حتى جعلها طينا ، وخمرها ، فلذلك اختلفت أخلاقهم ، ثم تركها أربعين سنة ، حتى صارت طينا لازبا لينا ، - واللازب هو الذي يلزق بعضه بعضا ثم تركها أربعين سنة حتى صارت صلصالا كالفخار ، وهو الطين اليابس ، إذا ضربته بيدك صلصل محدثا صوتا ليعلم أن أمره بالصنع والقدرة ، لا بالطبع والحيلة ، فإن الطين اليابس لا ينقاد ، ولا يتأتى تشكيله ، ثم جعله جسدا ، وألقاه علي طريق الملائكة ، التي تهبط إلي السماء ، وتصعد منها أربعين سنة ، فذلك قوله تعالي : [هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا] {الإنسان:1}  
 قال ابن عباس : الإنسان آدم ، والحين أربعون سنة ، كان آدم جسدا ملقيا علي باب الجنة ( الترمذي)فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه، وكان أشدهم منه فزعا إبليس، فكان إذا مر به فيضربه، فيصوت الجسد كما يصوت الفخار ، فيكون له صلصلة ، فذلك قوله تعالى حين يقول : [خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالفَخَّارِ] {الرَّحمن:14}
 وكان إبليس يقول : لأمر ما خلقت ، ودخل في فيه ، وخرج من دبره ، وقال للملائكة لا ترهبوا من هذا ، فان ربكم صمد ، وهذا أجوف ، ولئن سلطت عليه لأهلكته .
روي أنس ابن مالك أن النبي (صلي الله عليه وسلم ) قال : ((لما خلق الله آدم ،تركه ما شاء أن يدعه ، فجعل إبليس يطف به ؛ فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك)) المسند: الإمام أحمد بن حنبل.
وسأل عبد الله بن سلام رسول الله (صلي الله عليه وسلم ) : كيف خلق الله آدم عليه السلام ؟ فقال : (( خلق رأس آدم وجبهته من تراب الكعبة ، وصدره وظهره من بيت المقدس ، وفخذيه من اليمن ، وساقيه من أرض مصر ، وقدميه من أرض الحجاز ، ويده اليمني من ارض المشرق ، ويده اليسرى من أرض المغرب ، ثم ألقاه علي باب الجنة ، فكلما مر عليه ملأ من الملائكة عجبوا من حسن صورته ، وطول قامته ، ولم يكونوا قبل ذلك رأوا شيئا يشبهه من الصور .
هذا عن خلق جسد آدم قبل دخول الروح إليه.
 أما نفخ الروح : - قال العلماء : لما أرد الحق - تبارك وتعالي أن ينفخ الروح في آدم ، أمرها أن تدخل فيه ، فقالت الروح : مدخل مظلم بعيد القعر فقال للروح الثانية ، فقالت مثل ذلك ، وكذلك ثالثة ، إلي أن قال في الرابعة أدخلي كرها ، وأخرجي كرها فلما أمرها سبحانه وتعالي بذلك ، دخلت في فيه ، فأول ما نفخ فيه الروح دخلت من دماغه ، فاستدارت فيه مقدار مائتي عام ، ثم نزلت في عينيه ، والحكمة في ذلك ، أن الله تعالي أراد أن يري آدم بدء خلقه وأصله ، حتى إذا تتابعت عله الكرامات ، لا يدخله الزهو ولا العجب في نفسه.
 ثم نزلت الروح في خياشيمه ، فعطس ، فحين فراغه من عطا سه ، نزلت الروح إلي فيه ولسانه ، فلقنه الله تعالي أن قال: الحمد لله رب العالمين ، فكان ذلك أول ما جري علي لسانه ، فأجابه الله- عز وجل - يرحمك الله يا آدم للرحمة خلقتك ، ثم نزلت الروح إلي صدره وشرايينه ، فأخذ يعالج القيام ، فلم يمكنه ذلك ، وذلك قوله تعالي [وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولًا] {الإسراء:11}  وقوله تعالي [خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ] {الأنبياء:37}  فلما وصلت الروح إلي جوفه اشتهي الطعام ، فهو أول حرص دخل جوف آدم - عليه السلام -.
 وذكر الترمذي أن رسول الله (صلي الله عليه وسلم) قال))لما خلق الله آدم ، مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلي يوم القيامة ، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وميضا ((بريقا)) من نور ، ثم عرضهم علي آدم ، فقال: يا آدم هؤلاء ذريتك ، وإذا فيهم الأجذم والأبرص والأعمى و أنواع الأسقام فقال آدم : يا رب لما فعلت هذا بذريتي؟! قال: كي تشكر نعمتي. الترمذي.
فلما أتم الله خلق آدم عليه السلام ، ونفخ فيه الروح ،قرظه وشقه وصوره وختمه ، وأنطقه وألبسه من لباس الجنة ، وزينة بأنواع الزينة ، يخرج من ثنياه نور كشعاع الشمس ، ثم رفعه علي سرير ، وحمله علي أكتاف الملائكة ، وقال لهم : طوفوا به في سماواتي ليري عجائبها وما فيها ، فيزداد يقينا ، فقالت الملائكة : لبيك ربنا سمعنا وأطعنا.
 فحملته الملائكة علي أعناقهم ، وطافت به السموات مقدار مائة عام ، حتى وقف علي كل آياتها وعجائبها ، ثم خلق الله تعالى - فرسا من المسك الأذفر ، يقال له الميمون له جناحان من الدر والجوهر ، فركبه آدم - عليه السلام - ،وجبريل أخذ بلجامه ، وميكائيل عن يمينه ، واسرافيل عن شماله ، فطافوا به السموات كلها ، وهو يقول السلام عليكم يا ملائكة الله فيقولون : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته
فقال الله - تعالي- لآدم : هذه تحيتك ، وتحية المؤمنين من ذريتك فيما بينهم إلي يوم القيامة. دراسات في التفسير الموضوعي للقصص القرآني: د/ احمد العمري ص 119  
ولهذا السياق الذي أوردنا ليعبر عن كيفية خلق آدم شاهد من الأحاديث النبوية مثل ما تقدم ، وإن كان أغلب ما ورد في ذلك من الاسرائليات ويعلق د/ محمد وصفي علي القول بأن خلق الإنسان قائلا: ونعتقد أن خلق الإنسان من طين يندرج تحت باب العقائد ، وقد أثبت العلم الحديث هذه الحقيقة ، فقد وجد أن الجسم الإنساني ، يتكون من سلالة خاصة من عناصر القشرة الأرضية بنسب خاصة ، قال تعالي:[وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ] {الحجر:28} والمعروف أن لفظ الصلصال يشير إلي أجزاء التربة الخصبة الغنية بالعناصر ، التي ينمو فيها النبات نموا طبيعيا طيبا ، وغنية بالعناصر الستة عشر التي اختيرت من الستة وتسعين عنصرا المعروفة اليوم . الموسوعة الذهبية للعلوم الإسلامية: د/ فاطمة محجوب ج1 ص 432
هذا ما يتصل بقصة خلق ـ آدم عليه السلام - ، وعن كيفية خلقه ، وكيفية دخول الروح فيه ، ذلك المخلوق الذي اقتضت إرادة الله أن يكون خليفته في الأرض ، يعمل علي عمارة ذلك الكون ، وفي نفس الوقت يلتزم بعبادة الله- الذي خلقه بيديه ، ونفخ فيه من روحه ، وأوجده من عدم ، وسخر له كل ما في الكون ، من أجل ذلك الهدف ، كما أسجد له ملائكته ، وفضله عليهم ، كل ذلك من أجل حقيقة ثابتة ألا وهي عبادة الله تعالي..                                    

هناك تعليق واحد:

  1. فبعد أن خلق الله الكون بمشتملاته العديدة، التي قدرها – الحق تبارك وتعالي - أراد أن يعمر ذلك الكون ، فأوحي إلي الأرض أني خالق منك خلقا ، منهم منْ يطيعني ، ومنهم منْ يعصاني ، فمنْ أطاعني أدخلته الجنة ، ومنْ عصاني أدخلته النار ، ثم بعث إليها جبريل - عليه السلام - ليأتي بقبضة من تراب الأرض ، فلما آتاها جبريل ليقبض منها القبضة ، قالت له الأرض: إني أعوز بعزة الذي أرسلك أن تأخذ مني شيئا يكون فيه غدا للنار نصيب .
    فيرجع جبريل إلي ربه ، ولم يأخذ منها شيئا ، وقال : يا رب استعاذت بك ، فكرهت أن أقدم عليها.
    فأمر الله – عز وجل - ميكائيل - عليه السلام - ، فأتي الأرض ، فاستعاذت بالله ولم يأخذ منها
    شيئا، كما فعلت مع جبريل - عليه السلام – ، فرجع ميكائيل إلي ربه، ولم يأخذ منها شيئا.
    فبعث الله – ملك الموت ،فأتي الأرض فاستعاذت بالله ، أن يأخذ منها شيئا ، فقال ملك الموت : واني أعوز بالله أن اعصي له أمرا ، فقبض قبضة من زواياها الأربع ، من أديمها الأعلى ، ومن سبختها وطينها ، وأحمرها وأسودها وأبيضها ، وسهلها وحزنها ، فكان ذلك الاختلاف في ذرية آدم حيث كان منهم: الطيب والخبيث ، والصالح والطالح ، والجميل والقبيح ، وكذلك اختلفت صورهم وألوانهم.
    قال تعالي: [وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ] {الرُّوم:22}
    ثم صعد بقبضة التراب ملك الموت إلي الله - جلت قدرته - فأمره أن يجعلها طينا ويخمرها فعجنها بالماء المر والعذب والملح ، حتى جعلها طينا ، وخمرها ، فلذلك اختلفت أخلاقهم ، ثم تركها أربعين سنة ، حتى صارت طينا لازبا لينا ، - واللازب هو الذي يلزق بعضه بعضا – ثم تركها أربعين سنة حتى صارت صلصالا كالفخار ، وهو الطين اليابس ، إذا ضربته بيدك صلصل – محدثا صوتا – ليعلم أن أمره بالصنع والقدرة ، لا بالطبع والحيلة ، فإن الطين اليابس لا ينقاد ، ولا يتأتى تشكيله ، ثم جعله جسدا ، وألقاه علي طريق الملائكة ، التي تهبط إلي السماء ، وتصعد منها أربعين سنة ، فذلك قوله تعالي : [هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا] {الإنسان:1}
    قال ابن عباس : الإنسان آدم ، والحين أربعون سنة ، كان آدم جسدا ملقيا علي باب الجنة ( الترمذي)فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه، وكان أشدهم منه فزعا إبليس، فكان إذا مر به فيضربه، فيصوت الجسد كما يصوت الفخار ، فيكون له صلصلة ، فذلك قوله تعالى حين يقول : [خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالفَخَّارِ] {الرَّحمن:14}
    وكان إبليس يقول : لأمر ما خلقت ، ودخل في فيه ، وخرج من دبره ، وقال للملائكة لا ترهبوا من هذا ، فان ربكم صمد ، وهذا أجوف ، ولئن سلطت عليه لأهلكته .
    روي أنس ابن مالك أن النبي (صلي الله عليه وسلم ) قال : ((لما خلق الله آدم ،تركه ما شاء أن يدعه ، فجعل إبليس يطف به ؛ فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك))

    ردحذف