الأربعاء، 8 فبراير 2012

(14) مكانة المرأة في القرون أو العصور الوسطى في أوربا --- الباب الثاني: مكانة ومنزلة المرأة في العصور التاريخية المختلفة. (14) مكانة المرأة في القرون أو العصور الوسطى في أوربا:


(14) مكانة المرأة في القرون أو العصور الوسطى في أوربا:
 صورة لسوق أوربي من العصور الوسطى ويبدو تشابه ذي النساء مع زي المرأة في العصر الجاهلي
لقد اشتد سوء الظن بالمرأة في العصور الوسطى، وكُثر الخلاف حول خلقها وطبيعتها، ونالت وذاقت كاسات الذل والهوان، فحرمت من الظهور في المجتمعات العامة، وشاعت عادة أقفال العفة، وهي أقفال من حديد، رُكبت في أحزمة.
 أشكال مختلفة من حزام العفة المخصص للنساء في العصور الوسطى
وخُصصت لتلبسها النساء حول خصورهن، إذا غاب عنهن أزواجهن في السفر، ثم تُغلق بمفاتيح، يُبقيها الزوج معه، لا تفارقه لحظة، بل وصل الأمر في بعض المجتمعات، إلى درجة وضع قفل على فم المرأة، تغدو به وتروح، وقد كان يوضع هذا النوع من الأقفال عند خروج المرأة من دارها، حتى لا يدور بينها وبين الرجال حديث، تغويهم به إلى الرذيلة.
هذا القناع أعد لتلبسة المرأة  في بريطانيا في القرن السادس عشر
 وهكذا كانت تتحرك المرأة بهذا القفل على فمها حتى لا تتكلم مع أحد خارج المنزل
لقد كانت النساء في أوربا متأخرات جاهلات يقفن عقبة في سبيل العلم والنور، وكانت الكتب الشرعية تضطرم بسخط شديد على مجرد وجود النساء في العالم، وكان يُقال لهن: يجب أن يخجلن من أنهن نساء، وأن يعشن في ندم متصل، جزاء ما جلبن على الأرض من لعنات(1) تاريخ العالم: أي ستراتش ج 1 ص 395
فقد شاعت في تلك الفترة عقيدة الزهد والإيمان بنجاسة الجسد، ونجاسة المرأة، وباءت المرأة بلعنة الخطيئة الأولى، فكان الابتعاد عنها حسنة مأثورة، لمنْ لا تغلبه الضرورة، ومن بقايا هذه الغاشية في القرون الوسطى
نجاسة الجسد
أنها شغلت بعض اللاهوتيين إلى القرن الخامس الميلادي، فبحثوا بحثا جديا في جبلة المرأة، وتساءلوا في مجمع ماكون هل هي جثمان بحت؟! أم هي جسد ذو روح؟! يُناط بها الخلاص والهلاك؟! وغلبت على آرائهم أنها خلو من الروح الناجية، ولا استثناء لإحدى بنات حواء من هذه الوصمة، غير السيدة/ العذراء أم المسيح – عليه الرضوان –
مريم والطفل يسوع بريشة بيير
وكتب بلاكستون في شروحه على قوانين انجلترا سنة 1765 م يقول: إن القيود التي ترزخ تحتها المرأة، يُراد بها في الغالب حمايتها وخيرها، ذلك أن القانون الإنجليزي يؤثر المرأة بعطف شديد، ومع ذلك فإن هذه المرأة التي أثرها القانون هذا الإيثار الشديد، حُرمتْ من كل حق مدني، وحيل بينها وبين التعليم وكل شئ، ما عدا أحط موارد الكسب، ونزلت عن كل ثروتها عند الزواج  
(2) تاريخ العالم: أي ستراتش ج 1 ص 399

 هكذا  كانت تُعامل المرأة في العصور الوسطى
ورغم ذلك العطف الشديد الذي يزعمه بلاكستون: فقد وقف الفلاح الإنجليزي توسون في أسواق بريطانيا، وأمسك بزوجته يعرضها للبيع، لقد خدعتني هذه المرأة، تزوجتها لتكون سلواي، فإذا بها تنقلب فتصبح لعنة عليً من السماء، وشيطانا رجيما، وباع الرجل زوجته بعشرين شلنا، وخرج الزوج من الغنيمة مرتاح البال
 الفيلسوف الانجليزى هربرت سبنسر
ويؤيد ذلك ما ذكره الفيلسوف الإنجليزي/ هربرت سبنسر: من أن الزوجة كانت تُبا ع في إنجلترا خلال القرن الحادي عشر، وقد سنت المحاكم الكنسية في هذا القرن قانونا، ينص على أن للزوج أن ينقل أو يٌعير زوجته إلى رجل لمدة محددة(3) مجلة الوعي الإسلامي: عبد القادر السيسي: المستشرقون وتعدد الزوجات ص 74 العدد 74
 سيارة من طراز لاجوندا موديل 1936
بل إن الأمر وصل إلى أكثر من ذلك، ففي أكسفورد وفي عام 1930 رأى زوج أن يستبدل زوجته بسيارة من طراز لاجوندا وتمت الصفة بنجاح (4) الحب والزواج: بولس باسيلي ص 326
العقاد
يقول العقاد عن تلك العصور الوسطى: والتي يسمونها بعصر الفروسية، وأنها عصر المرأة الذهبي بين الأمم الأوربية، وأن الفرسان كانوا يفدون النساء بالنفس والمال: فهذا العصر كما قال الدارسون له: كان عصر الحصان، قبل أن يكون عصر المرأة، أو عصر السيدة المفداة.
 الفروسية
ولقد أجمل جون لانجدون دافينر صاحب التاريخ الموجز في النساء وضع المرأة في تلك العصور قائلا:
إن عصر الفروسية كان معروفا بما لوحظ فيه من فقدان الشباب على الجملة الاهتمام بالجنس الآخر، ولعلنا نقل من الدهشة لذلك، لو أننا وعينا كلمة الفروسية، وذكرنا أنها لم تكن ذات شأن بالسيدات، كما كانت ذات شأن بالخيل، فقلما بلغ الاهتمام بالمرأة مبلغ الاهتمام بالحصان في عصر الفروسية، إلا على اعتبار أنها عنوان ضيعة.

 المرأة والحصان في عصر الفروسية
ويذكر العقاد حادثتين توضحان مدى الإهمال، الذي كانت المرأة تلقاه في عصرها الذهبي المزعوم فيقول: جلست ابنة أوسيس في نافذتها ذات يوم فعبر بها الفتيان: جارات وجربرت.
فقال: جارات انظر انظر يا جربرت، وحق العذراء ما أجملها من فتاة؟!
فلم يزد صاحبه على أن قال: يا لهذا الجواد من مخلوق جميل، دون أن يلتفت بوجهه.
وعاد صاحبه يقول مرة أخرى: ما أحسبني قط رأيت بهذه الملاحة، ما أجمل هاتين العينين السوداوين!
وانطلقا وجربرت يقول ما أحسب أن جواد قط يماثل هذا الجواد.
وهي حادثة صغيرة، ولكنها واضحة الدلالة، إذ أن قلة الاهتمام تورث الازدراء.
ويروى أن الملكة بلانشفلور ذهبت إلى قرينها الملك / بيبين تسأله معونة أهل ا لورين، فأصغى إليها ثم استشاط غضبا، ولطمها على أنفها بجمع يده، فسقطت منه أربع قطرات من الدم، وصاحت تقول: شكرا لك إن أرضاك هذا، فأعطني من يدك لطمة أخرى حيث تشاء.
ويعلق العقاد قائلا: ولم تكن هذه حادثة مفردة، لأن الكلمات على هذا النحو كثيرا ما تتكرر، كأنها صيغة محفوظة، وكأنما كانت اللطمة بقبضة اليد جزاء كل امرأة جسرت في عهد الفروسية على أن تواجه زوجها بمشورة.
 حزام العفة للنساء الذي تصنعهُ أوربا حتى هذا اليوم
وكثيرا ما كانت المرأة تُزف إلى زوجها عفو الساعة، وكثيرا ما كانت تُزف إلى رجل لم تره من قبل، إما لتسهيل المحالفات الحربية، والمدد العسكري، أو لتسهيل صفقة الضياع، أترى أن سيدة القصر في عهد الفروسية، أو عصرها الذهبي كما يدعون واحدة لها نصيب من الرحمة، أو ملاذا من حياة الشقاء؟! أو صحبة قرين ليس لها بأهل؟!.
 التعميد
لقد تقدم الزمن في الغرب من العصور المظلمة إلى عصر الفروسية إلى ما بعدها من العصر الحديث، ولم تبرح المرأة في منزلة مسفة، لا تفضُل ما كانت عليه المرأة في الجاهلية العربية، وقد تفضُلها المرأة في تلك الجاهلية، ففي سنة 1970 بيعت المرأة في أسواق انجلترا بشلنين لأنها ثقلت بتكاليفها على الكنيسة التي تؤويها، كما بقيت المرأة إلى سنة 1882 محرومة من حقها الكامل في ملك العقارات وحرية المقايضة(5) عبقريات العقاد: عبقرية محمد ص 75، 74
ففي هذا العصر كان    الرجل أو السيد يعيش في بيته الإقطاعي أو القلعة. وكانت القلاع الأولى حصونًا بسيطة محاطة بأسيجة من جذوع الأشجار. أما الحصون التي شيدت، فيما بعد، فقد كانت ضخمة، وتم بناؤها من الحجر. وكان السيد وفرسانه يتناولون طعامهم وشرابهم ويقامرون في القاعة الرئيسية للقلعة بجانب المواقد. وكان هؤلاء جميعًا يمارسون لعبة النرد والشطرنج.
 حجاب العفة الالكتروني آخر تقليعة الغرب للمرأة
وكانت السيدة أوالليدي) زوجة السيد) تتدرب على الخياطة والغزل والنسج، والإشراف على خدم المنزل، وكانت تتمتع بحقوق قليلة. وكان بإمكان السيد أن ينهي زواجه منها إذا لم تنجب له ولدًا واحدًا على الأقل. ولم يكن يرى السادة ولا السيدات أن التعليم أمرٌ ضروري، وبالتالي فإن قلة قليلة منهم كانت تستطيع القراءة والكتابة.
 المرأة والدجاجة في العصور الوسطى
هذه كانت مكانة ومنزلة المرأة في عصرها الذهبي المزعوم، ذلك العصر الذي لم يصل الاهتمام بها فيه إلى نفس الدرجة التي يصل فيها الاهتمام بالحصان أو حتى بالدجاجة.
 المرأة لم تساوي الحمار في العصور الوسطى
ففي يوغوسلافيا:  استبدل فلاح زوجته بحمار، وقال في ذلك: إنه يُحب الحمار ويُفضله على زوجته... وقد تمت هذه الصفقة العجيبة عندما كان البائع والمشتري يحتسيان كأسا من الخمر
حمار + ماعز = إمرأة في العصور الوسطى
وأبدى البائع عدم ارتياحه لهذا الثمن، وقال: إن الحمار لا يُعتبر ثمنا عادلا لزوجته، فاقترح المشتري أن يعطيه عنزا فوق الحمار، وقبل الزوج الصفقة.
 نساء أوربا قديما
وفي بلجراد بيعت النساء بالميزان، وكان الرطل الواحد يساوي بنسين، أو ثلاث بنسات، وكان ثمن الزوجة التي تزن مائة رطل أو مائة وعشرين رطلا لا يزيد عن 28 شلنا.
وفي ولاية نيفادا الأمريكية: منذ سبعة أعوام اتفق رجلا على أن يستبدلا زوجتيهما، وأن تستولي كل زوجة على منزل الأخرى، بما فيه من أثاث ومتاع وأطفال.
 لم يصل إحترام المرأة في العصور الوسطى إلى نفس درجة احترام الدجاجة لآن الدجاجة تبيض والمرأة لا تبيض
وهكذا كان منظرا مألوفا في أوربا في القرون أو العصور الوسطى: أن يخرج الرجل ساحبا وراءه زوحته، وقد لف حول عنقها حبلا طويلا يعرضها في مزاد علني للبيع (6) الحب والزواج: بولس باسيلي ص 326
وخير ما نختتم به حديثنا عن مكانة المرأة ومنزلتها في بلاد الحضارة والنور في تلك العصور الوسطى، وما تلاها نصيحة برنارد سيفر للأزواج حيث قال:
أوصيكم أيها الرجال ألا تضربوا زوجاتكم هن حاملات، فإن ذلك أشد خطرا عليهن، ولست أعني بذلك أنكم لا تضربوهن، ولكن الذي أعنيه أن تختاروا الوقت المناسب لهذا الضرب. ثم يستطرد قائلا: أنا أعرف أن رجالا يهتمون بالدجاجة التي تضع البيضة كل يوم، أكثر من الاهتمام بزوجاتهم، فقد تُكسر الدجاجة وعاء أو قدحا أحيانا، ولكن الرجل لا يضربها خشية فقد البيضة، وكان كثيرا من الرجال، لا يطيقون سماع كلمة من زوجاتهم، وذلك أن الرجل إذا سمع كلمة من زوجته، يرى أنه نابية، عمد من فوره إلى عصا وشرع يضربها، أما الدجاجة التي لا تنقطع عن – الوقوقة – طوال النهار فإنه يصبر عليها من أجل البيضة(7) قصة الحضارة: ول ديورانت ج 4 جزء 5 ص 102، 101
صورة للحياة المحلية فى روما القديمة
ما أجملها من مكانة، وما أرفعها من منزلة، تلك التي كانت تحتلها المرأة في بلاد الحضارة والنور في عصورهم الذهبية، كما يدعون ويزعمون، فهي رغم تلك المنزلة الرفيعة، والمكانة السامية التي كانت تحتلها، لم يبلغ بها الاهتمام ملبغ الاهتمام بالحصان، ولا حتى بالدجاجة، كما أن تلك المنزلة العالية، والمكانة المرتفعة القدر، لم تحول بين المرأة وبين بيعها في السوق بالرطل حسب وزنها، أو المقايضة عليها بسيارة أو بحمار وعنزا.

هناك تعليقان (2):