الخميس، 16 فبراير 2012

(15) مكانة ومنزلة المرأة في الجزيرة العربية قبل الإسلام: الباب الثاني: مكانة ومنزلة المرأة في العصور التاريخية المختلفة (15) مكانة ومنزلة المرأة في الجزيرة العربية قبل الإسلام:


(15) مكانة ومنزلة المرأة في الجزيرة العربية قبل الإسلام:
  شبة الجزيرة العربية
إذا ما انتقلنا إلى شبة الجزيرة العربية، لنبحث عن حقيقة المرأة، وعن المكانة التي وصلت إليها في ذلك المجتمع الجاهلي، قبيل ظهور الإسلام، فإذ بنا نقف أمام رأيين متضاربين كل منهما يُناقض الآخر، فما بين فريق من المؤرخين يرى أن المرأة في العصر الجاهلي، قد بلغت منزلة سامية، إلى فريق آخر يرى أنها قد سٌلبت كل حقوقها، وهوت إلى قاع المستنقع، فلم يُعرف لها فضل ولا ميزة.
ولذا فسوف نُلقي إطلالة سريعة على كلا الاتجاهين في محاولة جادة، نخلُص منها إلى الوضع الذي كانت عليه المرأة في ذلك العصر، الذي سبق ظهور الإسلام.
الاتجاه الأول:
يرى أصحاب هذا الرأي أن المرأة كان لها شأن رفيع في وجدان الرجل، فقد احتلت موقع الصدارة في لب وفؤاد كل عربي، ويسوق أصحاب هذا الرأي بعض الأدلة والحجج على صحة ذلك الرأي، الذي إليه قصدوا، منها:
(1) الشعر الجاهلي:
حيث يرى أصحاب هذا الرأي في الشعر الجاهلي خير دليل على ما ذهبوا إليه، على اعتبار أن أشعار ذلك العصر، لم تخلو من الحديث عن المرأة، والتشبُبُ بها، والهُيام فيها، حتى أن المعلقات لم تخلو من الإشادة بالمرأة، والتغزل فيها مثل:
 امرؤ القيس
امرؤ القيس يسترضي محبوبته قائلا:
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل       وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي.
أغرك مني أن حبك قــــاتلي             وأنك مهما تأمري القلب يفــــــعل.
وإن تك ساءتك مني خليقة                  فُسلي ثيــــابي من ثيابك تُنسل.

 طرفة بن العبد
ويقول طرفة بن العبد:
لخولة أطـــــــــــلال ببرقة ثهمد       تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد.
وقوفنا بها صحبي على مطيهم       يقولون لا تهلك أســـــى وتجلــــــد.
كأن خــــدوج المالكية غــــدوة       خلايا سفـــين بالنواصـــف مـــن دد.
 زُهير بن أبي سُلمى
ويقول زُهير بن أبي سُلمى:
أمـــــن أم أوفى دمنــة لم تُكـلم         بحومـــانة الــــــدراج فـــــــالمتثلم.
ودار لها بالرقمتين كأنهـــــــا        مــراجع وشــــم في نواشـــــر معصم.
بها العين والآرام يمشين خلفه        وأطـــــلاؤها ينهضن من كل مخــــثم.
إلى غير ذلك من شعر المعلقات، التي لا تكاد تخلو من ذكر المرأة.
(2)       الحروب التي وقعت بسبب المرأة:  مثل: 
 حرب ذي قار
·   حرب ذي قار: التي وقعت بين العرب والفرس، بسبب رفض النعمان بن المنذر ملك الحيرة لتزويج ابنته من كسرى الفرس المسمى ابرويز، الذي اعتبر هذا الرفض إهانة له.
·   حرب الفجار الثانية: التي وقعت بين قريش وهوزان بسبب استنجاد امرأة بآل عامر للدفاع عنها وحمايتها.
·   حرب الباسوس: صاحبة الناقة سراب، التي استمرت أربعين سنة، ما بين بني جشم وبني شيبان، ثم اتسعت فشملت بني بكر وتغلب.
 ولقد وقعت تلك الحروب الضروس، التي حصدت مئات القتلى بسبب انتهاك جوار امرأة.
 أبي فرج الأصفهاني من أدباء العرب
(3) قول أبي الفرج الأصبهاني (صاحب كتاب الأغاني):
حيث يقول: كانت النساء أو بعضهن يطلق الرجال في الجاهلية، ولم تكن النساء في حاجة للمصارحة بالطلاق، بل كان في حسبهن أن يحولن أبواب أخبيتهن إن كانت إلى الشرق فإلى الغرب، كما قيل كانت عصمة كثير من النساء في الجاهلية في أيديهن، فإذا ما تعرضت إحداهن للضرر من زوجها طلقته.
هذا هو رأي الفريق الأول صاحب الزعم بالمكانة السامية، التي بلغتها المرأة في الجاهلية، وتلك هي بعض ما ذُكر من أدلة على ذلك. 
 الاتجاه الثاني:
يرى أصحاب ذلك الاتجاه أن العرب في الجاهلية كانوا يعتبرون المرأة جزءاً من الثروة، ولهذا كانت الأرملة جزءاً من الميراث، فكانت تُعد ميراثاً لابن المورث، هذا فضلا عن حرمانها هي من الإرث، هذا بخلاف حرمانها من أبسط حقوقها ألا وهو حق الحياة، قال تعالى:
[ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلْأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُۥ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَورَى مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦٓ ۚ أَيُمْسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُۥ فِى ٱلتُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(59)] (1) سورة النحل: 58 - 59    وقوله تعالى:
[وَإِذَا ٱلْمَوْءُۥدَةُ سُئِلَتْ(8) بِأَىِّ ذَنبٍۢ قُتِلَتْ(9) ](2) سورة التكوير: 8 – 9
وأد البنات في الجاهلية
وقديماً قيل إن وأد البنات من المكرمات.
 فقد كانت المرأة عار على أبويها، كما كان يحق للابن أنت يتخذ من زوجة أبية زوجاً له( وهو ما سماه القرآن الكريم بزواج المقت) أو يزوجها لمنْ يشاء، ويحصل على مهرها دون أخذ مشورتها، فالنظرة إلى المرأة في ذلك العصر كانت موشاة بالتشاؤم، فقد كانوا يرون فيها شر وافد إلى الحياة، فهي لا تدفع عاراً بل تجلبه، ولا تُقاتل عدواً، ولا تجلب مغنماً، وهي كَلُّ على أهلها، نصرها بكاء، وبرها سرقة، وكثيراً ما تجلب العار على أهلها، وتلوث قومها وشرفهم، وتكون المصيبة عليهم أشد، والبلية أنكى، إذا ما جاءت تلك البغيضة، شوهاء أو دميمة الخلق.
فلقد كانت المرأة في منزلة مخزية ومهينة في ذلك المجتمع، وكانت عرضه للضرر مادياً وأدبياً:
 الحياة في  العصر الجاهلي
ماديا: من خلال حرمانها من كل حقوقها، ابتداء من حق الحياة، وانتهاء بحق الميراث.
 وأدبيا: من خلال عدم حصولها على قدر من الاحترام في ذلك المجتمع، حتى الحرائر منهن فكثيراً ما كن يتعرضن لإيذاء الأزواج من خلال عادات: الظهار والإيلاء حيث تظل الزوجة على ذمة زوجها، لكنها محرومة من المعاشرة الجنسية، فيجعلها معلقة، لا هي مطلقة، ولا هي متزوجة، ومن أبلغ ما قيل معبراً عن ذلك المصير المشين، والوضع المخزي الفاضح، والمنزلة الوضيعة، التي وصلت إليها المرأة في ذلك العصر، ما ذكره الفاروق – عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – حيث قال: والله كنا في الجاهلية لا نعُد النساء شيئاً حتى أنزل الله فيهن ما أنزل.
 فهذا كاف للدلالة على عموم نظرة الاحتقار والذلة، التي كانت المرأة ترضخ تحتهما في ذلك العصر الجاهلي، مما تقدم يبرز لنا سوء النظرة إلى المرأة، وسوء المكانة التي تبوأتها في ذلك العصر.
 
 الخلاصة:
نحن الآن بصدد رأيين متناقضين أحدهما: يرى أن المرأة في ذلك العصر بلغت منزلة رفيعة، والرأي الآخر: يرى غير ذلك، ولكن الحقيقة التي لا مجال للطعن فيها، أن المرأة قد فقدت كل حقوقها على امتداد بلاد العالم قبل ظهور الإسلام، ولم يُعرف لها حقاً معلوماً، ولا قدراً مفهموماً، فقد كانت سقط متاع، لا يُنظر إليها، فضلا عن أنها قد تعرضت للبيع من قبل زوجها وأبيها، بل أكثر من ذلك، فقد تمت مقايضتها بحمار وماعز.
 وهذا ما يدعم عموم نظرة الاحتقار، والمكانة الهابطة، التي كانت تعيش المرأة في كنفها قبل الإسلام في كل أرجاء العالم، ومن ثمة يبدو القول بأن المرأة في الجزيرة العربية قبل الإسلام، كان لها شئ من المكانة السامية، فهذا قول لا يطمئن إليه قلب، ولا يرضاه لب.
فلا يُعقل أن يكون للمرأة قسمة من الإنصاف والكرامة في شبة الجزيرة العربية، إلا على نفس القدر الذي كانت عليه القسمة العامة في بلاد العالم أجمع على تنوع عاداته وشرائعه، وتباعد أرجائه وبلاده، ولعلها كانت تسوء في بعض أنحاء الجزيرة العربية، فتهبط الإساءة بها إلى الحضيض، كما كانت تهبط إليها في كافة أرجاء العالم، وقد ترتقي أحياناً فلا يكون قصارها من الارتقاء، إلا أنها تُكرم عند زوجها، نظراً لأنها ابنة ذلك الرئيس المهاب، أو أم لهذا الابن المحبوب.
 أما أنها تُكرم وتحترم على أنها من جنس المرأة، يعمها ما يعم بنات جنسها من الحق والمعاملة، فذلك ما لم تدركه المرأة قط من الإنصاف والكرامة إلا على يد الإسلام الحنيف.
وقد يحميها الأب والزوج والأخ والابن، ولكنها ليست حماية يحتمها احترامها، وصون عزتها وكرامتها، ولكن كانت تلك الحماية مفروضة عليهم، تماما مثل حمايتهم للمستجير بهم، وحمايتهم لكل ما هو في حوزتهم وتحت حماهم، حيث كان يُعاب على الرجل منهم، أن يُهان حُرمه، كما يعيبه أن يُعتدى عليه في كل محمي، أو ممنوع، ومنه دابته وبئره ومرعاه، فإذا ما هانت المرأة، فذلك عار يأنف منه أهله، ومن أجل ذلك وقعت بعض الحروب مثل الباسوس، ليس من أجل امرأة، ولكن من أجل الاعتداء على الجوار والحمى.
ومن أبلغ ما قيل من الشعر موضحاً لمدى المهانة، التي كانت ترفل فيها المرأة بصفة عامة في الجزيرة العربية، ومؤيد وداعم لما ذهبنا إليه
البُحتري شاعر الدولة العباسية​
 تلك الأبيات للبحتري، يُعاتب صديق له لحزنه على موت ابنته فيقول:    
أتبك منْ لا يُنازل بالسيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــف مشيحاً ولا يـهز اللواء
والفتى مــــــــنْ رأى القبور لما طاف                  به مــــــــــــن بناته أكفـــــــاء
لســــن مـــــــن زينة الحياة وورثن                  التــــــــلاد الأفـــــاصي البـــعداء  
لم يئد كثرهن قيـــــــس تمـــــــيم                  عيــــــــلة بـــل حميــــــة وإباء
وتغـــــشى مهلـــهل الـــذل فيـــهن                 وقــــــــد أعـــــطى الأديم حيـــاء
وشـــــــفيق بن فاتك حذر العــــــار                علـــــيهن فــــــارق الــــــــدهناء       
وعلــــــــى غيـــــرهن أحــــــزن يعقوب               وقــــــــــد جــــــاءه بنــــوه عشاء
وشعـــــــيب من أجلــــهن رأى الوحدة               ضــــــعفا فاســـتأجر الأنبيــــاء
واســــــــتذل الشيـــــــطان آدم فـــي              الجنة لمــــــا أغــــــرى به حـــواء
وتلفـــــــــت إلى القبائـــــل فـــــانظر              أمهــــــــات يُنســــــــبن أم آباء
ولعمــــــري مـــا العجـــز عنــــــــدي إلا              أن تبيت الـرجال تبكي النساء
تلك كانت نظرة المجتمع الجاهلي لجنس المرأة، وتلك هي المكانة التي احتلتها عندهم، والآن نتسأل: كيف كان يتم وأد البنات في الجاهلية؟! وما السبب في ذلك؟!

هناك 3 تعليقات:

  1. لحسن أسكريف ASKRIF LAHCEN
    ولماذا نلاحظ العرب لا تستحيي ولا تخجل من عبادة آلهة مؤنثة كاللات والعزى ومناة ونائلة؟
    ألا يدل هذا على مكانة المرأة عند عرب ما قبل الإسلام؟

    ردحذف
  2. عبادة العرب لآلهة مؤنثة كاللات والعزى ومناة ونائلة والربة وغيرها ألا يعتبر دليلا على سمو ومكانة المرأة عندهم؟ ولماذا سعى الدكتور مرزوق بن تنباك إلى التشكيك في مسألة تخصيص الوأد بالبنات؟

    ردحذف
  3. سفانة ابنت حاتم الطائي والخنساء تماضر وزوجة الرسول خديجة والمقال في هذا المجال طويل وكلهن كن قمم شامخة في ايامهن
    وهل اليوم المرأة هي أفضل حالا في كثير من الدول العربية داخل الجزيرة وخارج الجزيرة

    ردحذف