الثلاثاء، 30 أغسطس 2016

(9) أم المؤمنين/ صفية بنت حيي بن أخطب – رضي الله عنها ثانيا: أحوال و ملابسات زواجه – صلى الله عليه وسلم – من زوجاته – رضي الله تعالى عنهن -



رابعا: مآخذ أعداء الإسلام بشأن المرأة:
(4) تعدد زوجات الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم -:
ثانيا: أحوال و ملابسات زواجه – صلى الله عليه وسلم – من زوجاته – رضي الله تعالى عنهن -
(9) أم المؤمنين/ صفية بنت حيي بن أخطب – رضي الله عنها
 نسبها:
هي صفيـة بنت حُيَيِّ بن أخطب بن سعيد ، أبوها سيد بني النضير ، من ذرية نبي الله هارون عليه السلام من سبط اللاوي بن يعقوب - نبي الله إسرائيل- بن إسحاق بن إبراهيم عليه السـلام ، ثم من ولد هارون بن عمران ، أخي موسى عليه السلام ، وأمها هي برة بنت سموءل من بني قريظة. (1)ابن عبد البر: الاستيعاب 4/1871، ومحب الدين الطبري: السمط الثمين ص201.
حياتها قبل الإسلام:
كانت أم المؤمنين صفيه – رضي الله عنها – على علم ويقين بصدق رسالة الإسلام، وبصدق الرسول – صلى الله عليه وسلم – وليس أدل على ذلك مما روته – رضي الله عنها – بعد أن حسُن إسلامها فتقول:" كنت أحب ولد أبي إليه، وإلى عمي أبي ياسر لم ألقهما قط مع ولدهما إلا أخذاني دونه. فلما قدم رسول الله المدينة، غدا عليه أبي وعمي مغلسين، فلم يرجعا حتى كان مع غروب الشمس، فأتيا كالين ساقطين يمشيان الهوينا فهششت إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما التفت إلي أحد منهما مع ما بهما من الغم. وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي: أهو هو؟ قال نعم والله. قال عمي: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم. قال: فما في نفسك منه؟ أجاب: عداوته والله ما بقيت".
ولعل هذا الحوار الذي دار بين أبيها وعمها ما جعلها تشتهي في نفسها الرسول – صلى الله عليه وسلم – والذي تمثل لها في صورة قمر السماء يسقط في حجرها.
وذكر موسى بن عقبة عن الزهري أن أبا ياسر بن أخطب حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ذهب إليه وسمع منه وحادَثه، ثم رجع إلى قومه، فقال: يا قوم، أطيعوني؛ فإن الله قد جاءكم بالذي كنتم تنتظرون، فاتبعوه ولا تخالفوه.
فانطلق أخوه حيي بن أخطب -وهو يومئذٍ سيِّد اليهود، وهما من بني النضير- فجلس إلى رسول الله وسمع منه، ثم رجع إلى قومه، وكان فيهم مطاعًا، فقال: أتيتُ من عند رجلٍ والله لا أزال له عدوًّا أبدًا.
فقال له أخوه أبو ياسر: يابن أمِّ، أطعني في هذا الأمر واعصني فيما شئتَ بعده، لا تهلك.
قال: لا والله لا أطيعك أبدًا. واستحوذ عليه الشيطان، واتبعه قومه على رأيه(2) ابن هشام: السيرة النبوية 1/519، 520، وابن كثير: السيرة النبوية 2/298.
تزوجت قبل إسلامها من سلام بن مكشوح القرظي– وقيل سلام بن مشكم فارس قومها ومن كبار شعرائهم ، ثم تزوّجها كنانة بن أبي الحقيق – و كان شاعرا أيضا - ، وقتل كنانة يوم خيبر ، وأُخذت هي مع الأسرى(3) ذكره ابن عبد الله في : الاستيعاب (4/426)
وقيل تزوجها سلام بن أبى حقيق ثم خلف عليها كنانة بن أبى حقيق، فلما زفت إليه وأدخلت إليه بنى بها، ومضى على ذلك ليالي، رأت في منامها كأن قمر السماء قد سقط في حجرها، فقصت رؤياها على ابن عمها فلطم وجهها وقال: أتتمنين ملك يثرب أن يصير بعلك، فما كان إلا مجيء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وحصاره إياهم، فكانت صفية في جملة السبي وقد قتل زوجها وكانت عروساً 

فتح خيبر
لمّا انتهت السنة السادسة للهجرة ، وأقبل هلال المحرم من أول السنة السابعة تهيأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- لمعركة حاسمة تقطع دابر المكر اليهودي من أرض الحجاز ، فخرج -صلى الله عليه وسلم- مع ألف وأربعمائة مقاتل في النصف الثاني من المحرّم غلى خيبر ( معقل اليهود ) و سار يفتح حصون خيبر ومعاقلها واحداً إثر واحد ، حتى أتى القموص ( حصن بني أبي الحُقيق ) ففتحه ، وجيء بسبايا الحصن ومنهنّ صفية ومعها ابنة عمّ لها ، جاء بهما بلال -رضي الله عنه- ، فمرّ بهما على قتلى يهود الحصن ، فلما رأتهم المرأة التي مع صفية صكّت وجْهها وصاحت ، وحثت التراب على وجهها ، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( أغربوا هذه الشيطانة عني )000وصفية ثابتة الجأش رزينة ، فأمر بصفية فجُعِلت خلفه ، وغطى عليها ثوبه حتى لا ترى القتلى ، فقيل أنه اصطفاها لنفسه ، وقال لبلال :( أنُزِعَت الرحمة من قلبك حين تَمُرُّ بالمرأتين على قتلاهما ؟) (4) ابن القيم: زاد المعاد 3/291، والمباركفوري: الرحيق المختوم ص325.
فلقد كانت مع أبيها وابن عمها بالمدينة ، فلما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير ساروا إلى خيبر ، قُتل أبوها مع من قُتل مِن بني قريظة.
زواجها من النبي – صلى الله عليه وسلم –
فاصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، وخيّرها بين الإسلام والبقاء على دينها قائلاً لها: (اختاري، فإن اخترت الإسلام أمسكتك لنفسي – أي: تزوّجتك -، وإن اخترت اليهودية فعسى أن أعتقك فتلحقي بقومك)، فقالت: " يا رسول الله، لقد هويت الإسلام وصدقت بك قبل أن تدعوني، حيث صرت إلى رحلك وما لي في اليهودية أرب، وما لي فيها والد ولا أخ، وخيرتني الكفر والإسلام، فالله ورسوله أحب إليّ من العتق وأن أرجع إلى قومي ". فأعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوّجها، وجعل عتقها صداقها، وكانت ماشطتها أم سليم التي مشطتها، وعطرتها، وهيّأتها لزواج النبي محمد. وأصل هذه القصة ورد في صحيح البخاري.
كانت صفية -رضي الله عنها- قد رأت في المنام وهي عروس بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق أن قمرًا وقع حجرها. فعرضتْ رؤياها على زوجها، فقال: ما هذا إلاَّ أنك تمنِّين ملك الحجاز محمدًا، فلطم وجهها لطمةً خَضِر عينها منها. فأُتِي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها أثر منه، فسألها ما هو؟ فأخبرته هذا الخبر (5) ابن هشام: السيرة النبوية 2/336.
الحكمة من زواج النبي – صلى الله عليه وسلم - منها
وبحسب المؤرخين المسلمين، فإن هدف الرسول صلى الله عليه وسلم من زواجها إعزازها وإكرامها ورفع مكانتها، إلى جانب تعويضها خيراً ممن فقدت من أهلها وقومها، ويضاف إلى ذلك إيجاد رابطة المصاهرة بينه وبين اليهود لعله يخفّف عداءهم، ويمهد لقبولهم دعوة الحق التي جاء بها.
ففي الصحيحين أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر ودخلها عنوة وجمع السبي، فجاءه دحية: فقال يا رسول الله أعطني جارية من السبي. فقال: اذهب فخذ جارية. فأخذ صفية بنت حيي، فجاء رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله أعطيت دحية صفية بنت حيي سيد قريظة والنضير ما تصلح إلا لك. قال: ادعوه بها. قال: فجاء بها فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال: خذ جارية من السبي غيرها. قال: وأعتقها وتزوجها.
- قال السندي في حاشيته على سنن النسائي: كأنه ظهر له من ذلك عدم رضا الناس باختصاص دحية بمثلها، فخاف الفتنة عليهم فكره ذلك.
- وفي شرح النووي على صحيح مسلم: رأى في إبقائها لدحية مفسدة لتميزه بمثلها على باقي الجيش، ولما فيه من انتهاكها مع مرتبتها وكونها بنت سيدهم، ولما يخاف من استعلائها على دحية بسبب مرتبتها، وربما ترتب على ذلك شقاق أو غيره، فكان أخذه صلى الله عليه وسلم إياها لنفسه قاطعا لكل هذه المفاسد المتخوفة.
- وقال ابن حجر في (الفتح) المراد بسهمه هنا نصيبه الذي اختاره لنفسه، وذلك أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه جارية فأذن له أن يأخذ جارية فأخذ صفية، فلما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إنها بنت ملك من ملوكهم، ظهر له أنها ليست ممن توهب لدحية لكثرة من كان في الصحابة مثل دحية وفوقه، وقلة من كان في السبي مثل صفية في نفاستها، فلو خصه بها لأمكن تغير خاطر بعضهم، فكان من المصلحة العامة ارتجاعها منه واختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بها، فإن في ذلك رضا الجميع
وفي النهاية علينا ألا نغفل أن السيدة/ صفية - رضي الله عنها – عقيلة بني قريظة وبني النضير، كما أن نسبها ينتهي إلى سيدنا هارون – أخو سيدنا موسى عليهما السلام – وبعد مقتل أهلها في خبير، لم يعد لها منْ يكفُلها، فتحقق بزواجه – صلى الله عليه وسلم – منها تكريم نسبها وأصلها فضلا عن تكريمها وتحقيق رؤيتها التي تمنتها، ولم يلتفت – صلى الله عليه وسلم – لقصرها الذي كانت تُعاب به، وذلك لأنه – صلى الله عليه وسلم – كانت نظرته للزواج أسمى من التعلق بمقاييس الجمال، وشهوة الجسد والهوى فقد جاوز الخمسين من عمره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق