الأربعاء، 31 أغسطس 2016

ثالثا: الأسرة في الإسلام:(7) بقاء المرأة في المنزل:رابعا: مآخذ أعداء الإسلام بشأن المرأة:الباب الثالث: الإسلام والمرأة



الباب الثالث: الإسلام والمرأة
رابعا: مآخذ أعداء الإسلام بشأن المرأة:
(7) بقاء المرأة في المنزل:
ثالثا: الأسرة في الإسلام:
الأسرة في الإسلام ليست مجرد وعاء للقاء بين الزوجين بُغية التفريغ الجنسي، أو الإشباع العاطفي بين الزوجين، كما أن الهدف منها ليس مجرد التكاثر  أو التناسل بُغية الحفاظ على النوع أو الجنس، ولكن الأسرة في الإسلام  تُمثل اللبنة الأساسية في البناء الاجتماعي، التي لولاها ما استقام البناء، ولا كمُل عوده،  ولذلك نجد الإسلام قد وضع العديد من النظم والضوابط الشرعية التي تضبط  تكوين الأسرة ، ليتحقق الهدف منها، والمرجو منها،   كما أنها شرع من الأحكام والمبادئ والقوانين ما يضمن استمرارها واستقرارها، ووضع المعالجات لما قد يعتريها أو يُصيبها من مشاكل وانحرافات، وأخيرا وضع العلاج الأخير والحل الأمثل  عند فشل كل محاولات الإصلاح  بين أركانها وهو "الطلاق" الذي وجّه الرسول – صلى الله عليه وسلم -  بأنه: (أبغض الحلال عند الله الطلاق)( 1).
ونظرا لاهتمام الإسلام بالأسرة فقد جعل أساسها الزواج الذي يقوم على العلاقة الشرعية بين الزوجين "الرجل والمرأة". وجعل أساس تلك العلاقة السكن المودة والرحمة بين الزوجين، كما أن تلك العلاقة تنسجم وتتسق مع الفطرة الإنسانية، التي فطر الله – سبحانه – خلقه عليها،كما أنها تُحقق المصلحة الاجتماعية ببقاء النسل الإنساني وحفظ نوعه لقوله تعالى                                                { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } ( 2). 
وبالزواج تنمو روح المودة والألفة، وتتحقق معاني السكن والرحمة بين الزوجين، وتتأجج عاطفة الأبوة والأمومة التي تُعين كلا الزوجين على التعاون في تربية الأولاد بتحمُّل كل منهما الجزء المنوط به من المسئولية.
ولأهمية الأسرة في تحقيق التوازن داخل المجتمع حث الإسلام على تكوينها ودعا إلى أن يعيش الناس في ظلالها، وفي كنفها، فهي الصورة الطيبة للحياة المستقيمة التي تلبي رغبات الإنسان وتفي بحاجاته، وهي الصورة الطبيعية التي تتفق مع الوضع الفطري الذي ارتضاه الله – سبحانه -  ليس لحياة البشر فقط ، وإنما لمخلوقاته أجمع من الطير والحيوان والإنسان منذ فجر الخليقة ، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في حياة الأنبياء والرسل فقال سبحانه وتعالى:  { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ }                  ( 3).
وقوله تعالى:{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }                              ( 4).
فهذه آية من آيات الفطرة الإلهية، وهي أقوى ما تعتمد عليه المرأة في ترك أبويها وإخوانها وسائر أهلها والارتباط برجل غريب عنها تقاسمه السراء والضراء، تسكن إليه ويسكن إليها وتكون بينهما المودة والرحمة، قال تعالى: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }                       ( 5).
ومن خلال نظام الأسرة تتحقق المودة والرحمة والعدل والمساواة، قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }(6 )، أو التكافل الاجتماعي قال تعالى{ وَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً }( 7)، ويظهر ذلك جلياً في نظام النفقة والميراث.
ولكي تتحقق هذه المعاني من خلال نظام الأسرة، نجد أنَّ الإسلام قد وضع الأحكام والضوابط والآداب التي تحكم الأسرة بصورة مفصلة تكفل نجاحها وأداء وظيفتها وتحقيق أغراضها، ومن ذلك: الإعلاء من شأن الرابطة الزوجية بما نجده من حث الزوجين على الوفاق وحسن المعاشرة والتأكيد على الحقوق والواجبات، كما أكدت الشريعة الإسلامية على احترام الرابطة الزوجية وعدم التلاعب فيها حتى أسماها الله "ميثاقاً غليظاً"، وكذلك اختصاص عقد الزواج دون سائر العقود الأخرى بأحكام خاصة، وحرصاً على دوامه واستقراره كوضع مقدمات له في اشتراط الإشهاد عليه ومنع التلاعب فيه( 8).
فالمرأة تعمل على إدارة البيت ورعاية الأبناء، والرجل يسعى في طلب الرزق والقيام بالنفقة الزوجية على زوجته وأبنائه وحماية أفراد أسرته.
وبهذا التعاون ينعم أفراد الأسرة وتسود المحبة والسلام والاستقرار في الأسرة. ولكي تحقق الأسرة الأهداف السابقة فقد حث الإسلام على حسن اختيار الزوجين لضمان بناء المجتمع الإسلامي القوي السعيد، وتكوين الأسرة القوية التي هي مصنع الأبطال والقادة والعلماء والأتقياء والصالحين الذين يحققون غاية إعمار الكون واستخلاف الله لهم فيه، وعبادته على الوجه الذي يرضي.
وهذا عكس ما آلت إليه الأسرة في الغرب، حيث هربت المرأة مضطرة من الارتباط بالأسرة، هروباً من مسئولية الأولاد والزوج، وطمعاً في الرقي إلى أعلى الوظائف لتثبت للرجل أنها ليست أقل كفاية، واستجابة لنداء الماديين والطامعين في تحصيل أعلى ربح مادي لشركاتهم، وانخدعت بالدعاية المزيفة التي اتخذت شعارات براقة تحت اسم تحرير المرأة والحرية الاقتصادية والمساواة التامة بالرجل، وتلك الشعارات التي ترجمت في بعض بنود الوثائق الدولية، والتي تدعو للمطالبة بتعطيل وظيفة المرأة في الحياة كزوجة مخلصة وأم فاضلة، واعتبار الأمومة وظيفة اجتماعية "يمكن أن يقوم بها أي شخص".
يقول عزت بيجوفيتش: "تسعى الأيدلوجية الشيوعية إلى تحطيم الأسرة، وتمنع المرأة من ارتباطها بالأسرة، وفي الاتحاد السوفيتي نسبة تشغيل المرأة أكثر نسبة في العالم"(9 ).
هذا مما جعل نظام الأسرة في الإسلام أحد مواضع الهجوم من قِبَل الماديين بصورة عامة الشيوعيين والرأسماليين والمنظمة الدولية "الأمم المتحدة" من خلال وثائقها الرافضة لتشريع الطلاق وجعله في يد الرجل، والرافضة لإباحة تعدُّد الزوجات وغض الطرف عما تشقى به المجتمعات الغربية من مفاسد ناتجة عن التعسف في العلاقات الأسرية.
وخلاصة القول إنَّ نظام الأسرة في الإسلام ليس مجرد تنظيم لعلاقة الرجل بالمرأة وما يرتبط بهذه العلاقة من حقوق وواجبات لأحدهما أو لهما معاً أو لمنْ يأتي من أبنائهما وحَفَدتهما، بل نظام الأسرة في الإسلام هو جزء من نظرة الإسلام للخلق وللكون ولمركز الإنسان في هذا الكون والهدف من وجود الإنسان فيه، لذلك كان هذا النظام متكاملاً وكان جامعاً مانعاً، جامعاً لكل أسباب الخير للإنسان والمجتمع، ومانعاً لكل أسباب الشر للإنسان والمجتمع.
والآن تعالوا بنا نرى مفهوم وغاية الأسرة في الإسلام ليكون ذلك مدخلا يُساعدنا في فهم وإدراك سلبيات وايجابيات خروج المرأة للعمل، وما قد يُصيب أُسرتها من منافع أو أضرار جراء ذلك.
(أ) مفهوم الأسرة في الإسلام:
الأسرة في اللُّغة: "الدرع الحصين، وأهل الرجل وعشيرته، ويطلق على الجماعة يربطها أمر مشترك وجمعها أسر" (10)
الأسرة اصطلاحاً:
اختلفت الألفاظ في تعريف اللغة، إلا أنها جميعها دارت حول معان واحدة، وذلك على النحو التالي:
"الوعاء الحافظ للنسب والقربى والرحم وعبره يتم انتقال الثروة من جيل إلى جيل" (2)
أو هي تلك الوحدة الناتجة من عقد يفيد ملك المتعة مقدراً، أي يراد به استمتاع كل من الزوجين بالآخر على الوجه المشروع، ويجعل لكل منهما حقوقاً وواجبات على الآخر (3) 
أو هي: "الوحدة الأولى للمجتمع وأولى مؤسساته التي تكون العلاقات فيها في الغالب مباشرة ويتم داخلها تنشئة الفرد اجتماعياً ويكتسب فيها الكثير من معارفه ومهاراته وميوله وعواطفه واتجاهاته في الحياة ويجد فيها أمنه وسكنه" (4)
كما يمكن تعريف الأسرة بأنَّها:
وهي: "رابطة اجتماعية تتكون من زوج وزوجة وأطفالهما وتشمل الجدود والحفدة وبعض الأقارب على أنْ يكونوا مشتركين في معيشة واحدة"(5)
كما تُعرَّف بأنَّها: "النظام الاجتماعي الذي ينشأ عنه أول خلية اجتماعية تبدأ بالزوجين، وتمتد حتى تشمل الأبناء والآباء والأمهات والإخوة والأخوات والأقارب جميعاً" (6)
والأسرة هي: "الوحدة الاجتماعية الأولى والبنية الأساسية التي ترعى نمو الطفل، وهي لهذا اشتملت على أقوى المؤثرات التي توجه نحو السلم"( 7 ).
أما الدكتورة/  سناء الخولي فتُعرف الأسرة بأنَّها: "جماعة اجتماعية أساسية ودائمة ونظام اجتماعي ورئيسي، وهي ليست أساس وجود المجتمع فحسب، بل الأخلاق والدعامة الأولى لضبط السلوك والإطار الذي يتلقى منه الإنسان أول دروس الحياة الاجتماعية" (8)
كما تعرّف الأسرة في العرف الاجتماعي السائد بأنَّها: "المجموعة الصغيرة والمكوّنة من الزوجين والأبناء، أساس هذه الأسرة الزوجان المكونان من رجل وامرأة، وهما اللذان يقومان بالدور الأساس والفعّال في التكوين والتنظيم والرقابة من البداية إلى النهاية" (9)
ويعرّف نظام الأسرة بأنَّه: "تلك الأحكام والمبادئ والقوانين التي تتناول الأسرة بالتنظيم بَدْءً من تكوينها مروراً بقيامها واستقرارها وانتهاءً بتفرقها، وما يترتب على ذلك من آثار تؤدِّي إلى إرسائها على أسس متينة تكفل ديمومتها وإعطاءَها الثمرات الخيّرة المرجوّة منها" (10)
من تلك التعريفات السابقة نخرج بعدة عناصر تشملها الأسرة من وجهة النظر الإسلامية هي: الزوج، الزوجة،  التناسل، الأبناء، تربية الأبناء،  العلاقة بين الزوجين هي علاقة بين رجل وامرأة يحكمها رباط شرعي  فالأسرة في الإسلام هي اللبنة الأولى أو نواة المجتمع والمكوّن الأساسي له، والبيئة الاجتماعية الأولى التي ينشأ فيها الأبناء فتؤثر عليهم وفيهم سلباً أو إيجاباً، هذا ولا تنفصل مسئولية الأسرة عن الأبناء حتى بعد تجاوزهم مرحلة البلوغ، فدائما ما يخضع الأبناء للنُصح والإرشاد من قبل الأبناء، كما أن الأبناء بعد بلوغهم مرحلة الرُشد يقع على عاتقهم رعاية الآباء، فالعلاقة بين أطراف الأسرة (أباء، وأبناء) علاقة مستمرة متكاملة، وليست علاقة مجزأة أو متقطعة  قال الرسول  - صلى الله عليه وسلم - عن أبي هريرة- رضي الله عنه : (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) (11) 
(ب) أهداف الإسلام من تكوين الأسرة:
من بين أهداف و مقاصد الإسلام من تكوين الأسرة ما يأتي:
أولا: ضبط الطاقة الجنسية وتهذيب الميول والغرائز:
يقول محمد قطب: "الطاقة الجنسية من حيث المبدأ مسألة بيولوجية لا يمكن استمرار الحياة على وجه الأرض بدونها، والإسلام حريص على تحقيق أهداف الحياة العليا. فهو لذلك يحترم كل ما يؤدِّي إلى تحقيق هذه الأغراض، ولكن الذي يضع له الإسلام الضوابط والقيود هو طريقة التنفيذ العملي لتلك الأهداف والاعتراف بها من حيث أحقيتها بالوجود، والاعتراف للناس بحق الإحساس والشعور" (12)
ثانيا: النسل و الذرية:
إذا كان لقاء الزوجية "الذكر والأنثى" غاية ومقصداً في حد ذاته لإحداث الإرواء العاطفي للزوجين من جانب، فهو من جانب آخر وسيلة لغاية أخرى ومقصدٌ آخر، يتمثل في حدوث التناسل لقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }(13)
"فقد كانت الذرية والذرية الصالحة على وجه الخصوص مطلب أولي العزم من الرسل، وكانت الذرية الصالحة إحدى النعم التي مَنَّ الله بها على من اصطفى من عباده" (14) . وقال تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ }     (15)
والذرية الصالحة بشرى في القرآن الكريم قال تعالى:  { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } (16) 
ومن لوازم هذه البشرى، أنْ تنمو وتترعرع الذرية في جو إيماني، ومن ثَمَّ فإنَّ عقيدة التوحيد ركن أساس في بناء الأسرة المسلمة، لذلك لا تحل مصاهرة المشركين والمشركات لقوله تعالى: { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } (17)
وإذا اعتبر التوحيد الخالص في الأبوين شرطاً لإتمام وصحة الزواج في الإسلام؛ فإنَّ من مناط ذلك استنبات الولد في محاضن خالية من الشرك، عندما يكون نطفة أو علقة يربض في صلب أمه.. وامتداد لهذا المعنى، كانت سنّة الآذان في سمعه عندما يرى الدنيا للمرة الأولى في حياته(18)
"على أنْ يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلمات النداء العلوي المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته، والشهادة التي يدخل بها في الإسلام" (19)
"ومن مقتضيات بشرى الذرية في الإسلام الإحسان إليها في الصغر.. وحسن التربية خلقياً وعقلياً دون شدة أو قسوة"(20) 
ثالثا: حفظ النسب:
ويقصد به تسلسل الروابط في الأسرة من أصل إلى فروع، ومن فروع إلى أغصان وهكذا، حيث تتسلسل الأسرة من جد معروف إلى أب معروف إلى أبناء يعرف كل منهم الآخر إلى منْ ينتمي بالقربى والمصاهرة لقوله تعالى{ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } (21)
كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - (تعلموا من أنسابكم ما تصلون
به أرحامكم، فإنَّ صلة الرحم محبّة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر) (22)
"وهذه المعرفة هي أساس تقرير الحقوق والواجبات من: تربية، وحضانة، ونفقة، وإرث، وغير ذلك من الحقوق والواجبات المترتبة على الزواج والتي بدون التحقُّق والقيام بها تضيع الحقوق، ويعم الفساد، وينتشر الصراع" (23)
رابعا: الحافظ على المجتمع من الانحلال الخلقي:
من المقاصد التي اتجه إليها الإسلام من حثّه على تكوين الأسرة، سلامة المجتمع الإسلامي صحيحاً من العلل والآفات، وعلى الأخص الانحلال الخلقي، فبناء الأسرة انطلاقاً من قاعدة الزواج يحصن المجتمع ويحميه من الأمراض التي تهدم أركانه وتهوي به إلى درجات الانحطاط وتبني سياجاً من العفة حول أفراده، فلا يسلكون سبيل الانحراف الذي يؤدِّي بهم إلى الأمراض الجنسية السارية كالزهري والسيلان والإيدز(24) 
خامسا: سيادة مكارم الأخلاق:
من أهداف تكوين الأسرة أيضاً غرس الفضائل الأخلاقية والخلال الحميدة في الفرد والمجتمع، فلا تحلل ولا انحراف ولا انزلاق إلى ما حرّم الله تعالى إنما هو الخُلُق الفاضل والقدوة الحسنة من خلال تقديم أبناء صالحين من  أباء صالحين وأمهات صالحات في جميع ساحات الحياة يفاخرون بشرف الانتساب لآبائهم وفي ذلك دعم كيانهم وشرفهم العائلي، ومن ثمة يتم إعلاء قيمة الأخلاق في الحياة، فتأتي ثمارها الناضجة في حياة الفرد والمجتمع.
سادسا: التدريب على تحمُّل المسئولية:
من بين الأهداف التي يهدف الإسلام إليها من وراء بناء الأسرة تدريب الفرد على تحمُّل المسئولية، فلقد أراد الإسلام لأبنائه الذين عهد إليهم بنشر تعاليمه، وحمل رسالته العامة إلى ربوع الكون أن يكونوا جادين يؤدون عملهم بكل تفانٍ في أي موقع كانوا، والأسرة هي أول بناء اجتماعي يمر به الفرد في حياته ويكتسب من خلاله المعاني السلبية أو الإيجابية التي تؤثر في حياته، فالرجل بزواجه مسئولاً عن زوجه وأولاده، يكد ويتعب في سبيل تأمين العيش الأفضل لهم، وكذلك المرأة فإنها تفني حياتها في خدمة زوجها وأولادها، فالأسرة تدرب الرجل والمرأة أعظم تدريب على تحمل المسئولية، وهذا ما أشار إليه الرسول – صلى الله عليه وسلم -  بقوله: (كلكم راع ومسئول عن رعيته، والإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية ومسئولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع ومسئول عن رعيته) (25)
سابعا: نشر معاني التكافل الاجتماعي وروح التعاون:
من الدعائم الأساسية لبقاء الأسرة  واستمراره فضلا عن تحمل كل فرد لمسئوليته فيها: أن تسود روح التعاون والإحساس بقيمة العمل المشترك  المتكامل بين أفراد الأسرة، وتتجلى هذه المعاني في العواطف والمشاعر بين الزوجين في السراء والضراء كما يظهر في مفهوم النفقة في الإسلام من إلزام الموسر بالنفقة على قريبه الفقير. فالزوجان يشتركان من خلال روح المحبة والتعاون بينهما في تهيئة الجو الصالح والعيش الهادئ لهما ولأفراد الأسرة جميعاً.
فإذا ما تحققت ونشأة تلك الروح داخل الأسرة، فلا شكَّ في أنَّها ستكون الطريق لتآلف الأسرة وتعاونها على بناء المجتمع الكبير، وبذلك ترتقي الشعوب وتعمل معاً لعمارة الكون، وتبادل المنافع والمصالح إذ أنَّ هناك أكثر من سبب لتآلفها.
"إنَّ الأسرة هي المدرسة الأولى لتعليم الخير والصبر وتحمُّل المسئولية بما تلقيه على عاتق أفرادها من مهام لا يستطيعون التهرب منها، ومن كتب الله له النجاح في تحمُّل التبعات الجسام للأسرة والقيام بمسئولياتها سيكون راعياً في القيام بتبعات المجتمع الذي سيستظل بظله" (26) 
ثامنا: تربية الأجيال الجديدة:
تقول د. سناء إبراهيم: "التربية والتربية الصالحة هي قرين الإنجاب، وليس المقصود هو إنجاب الأبناء ثم تركهم للضياع، بل المقصود تزويد الحياة بعناصر الإعمار، وتزويد المجتمعات بعناصر البناء، كما ذكرنا، وهذا لا يتحقق إلاَّ من مجموع أسر قوية محكمة التكوين قوية البناء. والأسرة القوية لا تكون إلاَّ بأب وأم وأبناء صالحين، ومن أوجب حقوق الأبناء على الآباء التربية الصالحة" (27)
والذرية الصالحة من مطالب الأنبياء، وهي منّة من الله تعالى، قول إبراهيم – عليه السلام -  { رَبِّ ٱجْعَلْنِي مُقِيمَ ٱلصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ }       (28)، وقول زكريا- عليه السلام -  { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ }  (29)
وقول الرسول – صلى الله عليه وسلم - عن أبي هريرة – رضي الله عنه - : (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاَّ من ثلاث: صدقة جاريه أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) (30)
وعلى الأسرة قسط كبير من واجبات التربية الخُلُقية والوجدانية والدينية في جميع مراحل الحياة. والأسرة هي التي تجعل من الطفل كائناً مدنياً وتزوده بالعواطف والاتجاهات اللازمة للحياة في المجتمع والبيت(31)
المراجع:
1)     سنن أبي داود، برقم 2144، 2/244.
2)   سورة النحل، الآية (72).
3)  سورة الرعد، الآية (38).
4)    سورة الروم، الآية (21).
5)    سورة الروم، الآية (30).
6)   سورة البقرة، الآية (228).
7)   سورة الإسراء، الآية (26).
8)   عقد الزواج وآثاره، أبو زهرة، ص 17.
9)  الإسلام بين الشرق والغرب، علي عزت بيجوفيتش، ترجمة محمد يوسف، مطبعة العلم الحديث، بيروت، ط/1، 1994م، ص 258.
10)إبراهيم أنيس وآخرون: المعجم لوسيط، دار إحياء التراث العربي، بيروت، بدون تاريخ طبع، 1/17.
11) تنوير الأعلام على هامش حاشية ابن عابدين، طبعة الحلبي، 2/265.
12)            محمد عقلة: نظام الأسرة في الإسلام، مكتبة الرسالة الحديثة، الأردن، عمان، ط/2، 1989م، ص 17.
13)                      نوال سرار: وثيقة مؤتمر المرأة العالمي الرابع (دراسة شرعية)، مرجع سابق، ص 19
14)                         محمد عقلة: نظام الأسرة في الإسلام، مرجع سابق، ص 18.
15)                        حسن الكريم: الإسلام وتنظيم الأسرة، مؤتمر الرباط، 1997م، ورقة غير منشورة.
16)            سعاد إبراهيم صالح: الأسس النفسية للنمو من الطفولة إلى الشيخوخة، دار الفكر العربي، ط/2، 1984م، ص 62.
17)            سناء الخولي: الزواج والعلاقات الأسرية، الدار المتحدة للنشر، بيروت، لبنان، 1972م، ص 1.
18)                       حسن أيوب: السلوك الاجتماعي في الإسلام، ص 198.
19)             نوال سرار: وثيقة مؤتمر المرأة الرابع ببكين 1999م (دراسة شرعية)، بدون تاريخ طبع ونشر، مرجع سابق، ص 90.
20)                       صحيح مسلم، كتاب القدر، باب الإيمان، برقم 22، وصحيح البخاري، برقم 9319، 1/965.
21)                       محمد قطب: الإنسان بين الماديّة والإسلام، ص 248-249.
22)                      سورة النساء، الآية (1).
23)                     سعاد إبراهيم صالح: علاقة الآباء بالأبناء، بدون تاريخ طبع، ص 15.
24)                      سورة الرعد، الآية (38).
25)                      سورة آل عمران، الآية (39).
26)                      سورة البقرة، الآية (221).
27)           الحسيني سليمان جاد: وثيقة مؤتمر السكان (رؤية شرعية، سلسلة كتاب الأمة، قطر، العدد 53، جمادى الأولى، 1418هـ.
28)                      ابن القيم الجوزية: تحفة المودود بأحكام المولود، طبعة دار الإفتاء السعودية، 1403هـ.
29)                      الإمام أبو محمد حامد الغزالي: إحياء علوم الدين، طبعة الشعب، مصر، 8/1428.
30)                      سورة النحل، الآية (72).
31)           صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب من بسط له في الرزق، 10/348، وسنن الترمذي، كتاب البر في الصلة، برقم 1902
32)                     سعاد إبراهيم صالح: أضواء على نظام الأسرة في الإسلام، مرجع سابق، ص 22.
33)                    نظام الأسرة في الإسلام، مرجع سابق، ص 37.
34)                     صحيح مسلم، كتاب الإمارة، برقم 30.
35)           الزواج وبناء الأسرة، فرج محمود أبو ليلي، دار الجنوب للطباعة، لبنان، طبعة 1997م، ص 25.
36)                     علاقة الآباء بالأبناء، سعاد إبراهيم صالح، مرجع سابق، ص 45-46.
37)                     سورة إبراهيم، الآية (40).
38)                     سورة آل عمران، الآية (38).
39)                     سنن الترمذي، برقم 1276، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 3/600.
40)            عبد الواحد وافي: الأسرة والمجتمع، مطبعة العالم العربي، القاهرة، 1971م، ص 20 "بتصرف".
وأقرأ أيضا: مهـــددات الأســرة المعاصــرة(وجهة نظر إسلامية في التكوين والعلائق والآثار التربوية)د. فاطمة عبد الرحمن عبد الله (أستاذ مشارك، مدير مركز الطالبات بجامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية (السُّـودان ـ أم درمان) مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية: العدد التاسع 1425 هـ - 2004 م

هناك تعليقان (2):