الفصل الثالث الإسلام والمرأة: حقوق وواجبات

الباب الثالث: الإسلام والمرأة

·      أولا القيمة الإنسانية:
§      الزعم الباطل.
§      رفع التشاؤم.
§      أمانة وذمة.
§      النفقة.
§      دفع الضرر.

·      ثانيا: احترام الإسلام لفكر وعقل المرأة.


·      ثالثا: المساواة بين الرجل والمرأة.
§      حق الميراث.
§      أخذ البيعة.
§      الأمر والنهي في العبادات والمعاملات.
§      الأهلية التامة.
§      التعليم.
§      العمل.
§      القضاء.
·      رابعا: مآخذ أعداء الإسلام بشأن المرأة.
§      الرجال قوامون على النساء.
§      المرأة نصف الرجل في: الميراث، الشهادة، العتق.
§      تعدد زوجات الرسول – صلى الله عليه وسلم –
§      ملك اليمين.
§      الحجاب.
§      بقاء المرأة في المنزل.
§      الضرب والهجر.
 §      الطلاق.
·      خامسا: وصايا الرسول – صلى الله عليه وسلم – للمرأة.



****************************************

الفصل الثالث: الإسلام والمرأة
تمهيد:
لقد نظر التشريع الإسلامي إلى الذكر والأنثى نظرة واحدة، ورأى أن لكل آدمي حقه في الحياة، لا فرق في ذلك بين ذكر وأنثى، وأن لكل منهما مزاياه وفضائله، كما أن له عيوبه ونقائصه، وأن للأنثى وظيفتها في الحياة الخاصة، والحياة العامة، وأنه لا غنى البتة عن وظيفتها، هذه الوظيفة، التي ليست أقل شأنا من وظيفة الرجل، ولذا حارب الإسلام عادة وأد البنات البشعة، وقضى على هذه الرذيلة الممقوتة، وحفظ على الأنثى حياتها، كما حفظ على أخيها الرجل حياته.
وكما استحيا التشريع الإسلامي الأنثى مادياً، فقد استحياها أدبيا واجتماعيا، فقد جاء التشريع الإسلامي، والمرأة ذليلة مهينة مهيضة الجناح، مهضومة الحقوق، فرفع شأنها، وأعز مكانتها، وكفل لها أهلية تامة وكاملة، كأهلية الرجل، بعد أن كانت أشبة شئ بالرقيق، تُورث ولا ترث، وفرض لها من الحقوق ما يتلاءم مع فطرتها ومقدرتها، وحملَّها من التبعات ما هي أهل للقيام به، وقامت أحكامه على أصل ثابت، هو المساواة بين الرجل والمرأة.
وإذا كان هناك شئ من الفوارق اليسيرة، فإنه لم ينشأ عن كونها امرأة، وما نشأ إلا عن اعتبارات حقة، لا علاقة لها بالجنس، فأحكام التشريع الإسلامي، قد خلقت من المرأة خلقا آخر غير الذي كان من قبل، ونفخت فيها روح العزة والإباء، وجعلتها تحس وتشعر بكيانها وشخصيتها، وتعرف أن لها وضعا متساويا مع الرجل في الحقوق والواجبات، وأنها كما تسعى لكسب الحقوق تعمل على تحمل التبعات.
ولقد أحست النساء المسلمات بأن الرجال قد غلبوهن على التعليم والمعرفة ومجالس الموعظة، فلم يُطقن صبراً على تحمل هذا الحرمان، ولم يرضين بهذه الغلبة، فذهبت إحداهن إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقالت له:
يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوماً، نأتيك فيه، تُكلمنا مما علمك ا لله، فاستجاب – صلى الله عليه وسلم – لذلك وقال لها: ((( اجتمعن في يوم كذا في موضع كذا ))) فكن يجتمعن، ويأتيهن – عليه الصلاة والسلام – فيُعلمهن مما علمه الله.
وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء، واستمرت هذه العادة في صدر الإسلام، ولكن هذا الوضع لم يُرض النساء، وذهبت إحداهن إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – لتُدافع عن حق المرأة، فقد مات أوس بن ثابت عن مال، وله زوجة وثلاث بنات، فاستولى وصياه على كل ماله، جرياً على عادتهم، فذهبت زوجته إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقصت عليه القصة، وقالت: من أين نُطعم؟! وكيف نعيش؟! ولِمَ تُحرم المرأة من مال أبيها وزجها؟! وأنىَّ للبنات أن يتزوجن، ولا مال لهن؟!.
فقال لها – صلى الله عليه وسلم -: ارجعي إلى بيتك، حتى أنظر ما يُحدث الله في أمرك؟! ثم نزلت آية المواريث، التي صانت حقوق النساء، فأرسل – صلى الله عليه وسلم – على الوصيين وقال: لا تقربا من مال أوس شيئاً)
ولما كُتب الجهاد على الرجال، قالت النساء: لقد فاتتنا تبعات الجهاد وأجره، ولو كُتب علينا القتال لقاتلنا، وذهبت وافدة النساء أسماء بنت يزيد تقول للنبي – صلى الله عليه وسلم -: إني رسول النساء إليك، وما منهن امرأة علمت أم لم تعلم، إلا وهي تهوى مخرجي إليك – الله رب – الرجال والنساء، كتب - الله – الجهاد على الرجال، فإن أصابوا أثروا، وإن استشهدوا كانوا أحياء عند ربهم يُرزقون، فما يعدُل ذلك من أعمالهم من الطاعة، فأرشدها – صلى الله عليه وسلم – إلى أن أعمال المرأة كزوجة، وأعمالها كأم تعدُل في الطاعة أعمال الرجال المجاهدين في سبيل - الله -.
هذا قليل من كثير مما فعله الإسلام للمرأة وبالمرأة، وهذا المظهر الذي تًرشد إليه هذه الحوادث وأشباهها، مظهر لا يمكن أن يكون إلا لامرأة تعيش في ظل تشريع قد ملأ نفسها عزة وكرامة، وبنى لها شخصية كاملة، ولكن الله قد ابتلانا قديماً وحديثاً بمنْ لا هم لهم إلا الهمز واللمز، والتكلم في بعض الفوارق بما لا يفهمون.

كما ابتلانا بمنْ يتأولون النصوص؟، ويسيئون استعمال الحقوق، ثم تُحسب أعمالهم على التشريع الإسلامي، لا لشئ إلا لأنهم مسلمون، كما ابتلانا ببعض النسوة اللاتي لا يُردن التزام حدود الله، ولا الوقوف عند أحكامه، وفيها الخير للرجال والنساء على السواء، قال تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ)(1) القصص:- 56-
تلك لمحة سريعة في شئ من الإجمال لما فعله الإسلام للمرأة وبالمرأة، التي كانت ذليلة فأعزها، وميتة فأحياها، وموروثة فأورثها، فهيا بنا نرى في شئ من التفصيل: ماذا فعل الإسلام للمرأة وبالمرأة.؟!

****************************************



الباب الثالث: الإسلام والمرأة
أولا:القيمة الإنسانية:
(1): الزعم الباطل:
 تعالوا بنا نرى كيف كرم الإسلام إنسانية المرأة، تلك الإنسانية التي لم يكن معترف بها قبل الإسلام، لا في عُرف ولا تقاليد ولا ديانة سواء كانت ديانة وضعية أم سماوية، فلم تعرف آين من العادات والتقاليد قبل الإسلام، ما يُسمى بإنسانية المرأة، وكذلك الأمر يصح هذا الكلام على الديانات التي سبقت ظهور الإسلام، فماذا فعل الإسلام لإنقاذ إنسانية المرأة؟! وللإجابة على هذا التساؤل سنعرض للنقاط التالية:
الزعم الباطل.                             رفع التشاؤم.                       أمانة وذمة.
                           النفقة.                                                            دفع الضرر.
أولا: الزعم الباطل:
لقد جاء التشريع الإسلامي للعالم أجمع بحقوق مشروعة للمرأة، لم يسبقه إليها آين من دستور شريعة، أو دستور دين، كما لم يسبقه إليها آين من عُرف أو تقاليد، وأكرم وأفضل ما جاء به الإسلام للمرأة، أن القرآن الكريم قد رفع عن جنس المرأة عامة المهانة والذلة والامتعاض، الذي علقُ بها، فرفعها إلى مكانة الإنسان المعدود من ذرية آدم وحواء، فبرأ ساحتها من رجس الشيطان، ونزهها عن حطة الحيوان، حيث كانت موصومة بهما في نظر الأمم والأديان السابقة، كما رأينا عند الحديث عن مكانة ومنزلة المرأة قبل الإسلام.
فأعظم من الحقوق الشرعية، التي لم تعرف عنها المرأة شيئاً، وكسبتها على يد دستور الإسلام الخالد القرآن الكريم،أن القرآن الكريم قد رفع عن المرأة لعنة الخطيئة الأبدية، ووصمة الجسد المرذول، تلك  اللعنة وتلك الوصمة، التي ألحقتها بها الأديان والمعتقدات التي سبقت ظهور الإسلام
  فقد جعلوا منها مصدراً للإغواء، وناقضة لنواميس -  الله – على حد قول القديس ترنوليان.
 القديس ترنوليان
فجاء الإسلام فرفع عنها ما وصمت به من عار، وذنب، وقرر القرآن الكريم: أن الشيطان قد وسوس لآدم كما وسوس لحواء، فخلُصت حواء بذلك، وبناتها من بعدها، مما اُتهمت به من أنها السبب في الخطيئة، ومصدر غواية الشيطان، وبعد أن وسوس لهما الشيطان، كان الندم من الاثنين آدم وحواء، ومن ثمة كان العقاب لهما أيضاً، ولذا فقد استحقا الغفران بعد التوبة والندم.
 وإليك النصوص القرآنية التي تؤكد ذلك، قال تعالى:
(فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَنُ لِيُبْدِىَ لَهُمَا مَا وُۥرِىَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَىكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّآ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَلِدِينَ وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّى لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّصِحِينَ فَدَلَّىهُمَا بِغُرُورٍۢ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَ تُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ ۖ وَنَادَى هُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ لَكُمَا عَدُوٌّۭ مُّبِينٌۭ ))1) سورة الأعراف: 20ـ22
وقال – جل شأنه -
(وَقُلْنَا يََادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا ٱهْبِطُوا۟ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّۭ ۖ وَلَكُمْ فِى ٱلْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّۭ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍۢ) (2) سورة البقرة: 35ـ36

وقال – سبحانه وتعالى –
(قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَسِرِينَ(3) سورة الأعراف: 23 
بل أكثر من ذلك فقد أبان القرآن الكريم براءة بنات حواء بعد ذلك، فليس على إحداهن ذنب أو وزر من خطيئة الأم حواء، كما زعمت المعتقدات السابقة لظهور الإسلام، وبذلك يكون القرآن الكريم قد رفع اللعنة التي لحقت بجنس المرأة عامة من جراء خطيئة حواء، كما رفعها عن جنس الرجال من جراء خطيئة آدم – عليه السلام –      قال – تعالى - :
(تِلْكَ أُمَّةٌۭ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْـَٔلُونَ عَمَّا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ)  (4) سورة البقرة: - 141 –
ومن أروع ما كرم به التشريع الإسلامي المرأة، تبرأة ساحتها من أنها جسد بلا روح، ومن أنها قرينة لشهوات الحيوان، وحبائل الشيطان، ينجو من الشيطان من نجا منها، ويتنزه عن الحيوان منْ تنزه عن النظر إليها، فصحح القرآن العظيم وضع المرأة جسدياً، كما صحح وضعها روحياً، ورفع عنها لعنة الجسد، التي لصقت بها 
قال تعالى: (  يَأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا۟ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍۢ وَٰحِدَةٍۢ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًۭا كَثِيرًۭا وَنِسَاءًۭ ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِۦ وَٱلْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)(5) سورة النساء: - 1-
وقال – جل وعلا – (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًۭا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓا۟ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌۭ(6) سورة الحجرات: -13 –
وقال  - تبارك وتعالى – (مَنْ عَمِلَ صَٰلِحًۭا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌۭ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةًۭ طَيِّبَةًۭ ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ) (7) سورة النحل: -  97  -

 هذا ما يخص الزعم الباطل، الذي لحق بالمرأة بل لاحق المرأة من أنها أساس كل خطيئة، ومن أنها جسد بلا روح، ومن أنها قرينة لشهوات الحيوان، وحبائل الشيطان، فبرأ التشريع الإسلامي ساحتها، مما لحق بها، ورد لها إنسانيتها وكرامتها، ورفع عنها اللعنة التي لحقت بها.

****************************************


الفصل الثالث: الإسلام والمرأة
أولا: القيمة الإنسانية:
(2) رفع التشاؤم:
 جاء الإسلام فوجد المرأة تُعامل على أنها سقط متاع، تُباع وتُشترى، حياتها تُشبه حياة الرقيق، بل تكاد تكون حياة الرقيق أفضل منها، فهم على الأقل لا يُدفنون في التراب أحياء، ولا يُقتلون لعلة التشاؤم، وكل ذلك تتعرض له النساء، فما كان من التشريع الإسلامي العظيم إلا أن حرم قتل الأبناء عامة: ذكور أو إناث قال تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا(1) سورة الإسراء – 31 –
وأد البنات في الهند بسبب غلاء المهور.
ثم يعمد القرآن الكريم إلى تحريك القلوب، وزلزلة الضمائر، وتقريع الآباء، الذين هموا بوأد بناتهم، فبعد الحديث عن أهوال يوم القيامة في سورة التكوير، يتوجه الحق – تبارك وتعالى – إلى منْ؟! القاتل ؟! إلى الجاني ؟! إلى الأب الذي قام بعملية الوأد؟! كلا بل يتوجه إلى القتيل؟! إلى المجني عليه؟! إلى البنت التي دُست في التراب؟! يسألها عن ماذا؟! يسألها عن الجرم الذي ارتكبته؟! والذنب الذي نالته؟! والمصيبة التي جاءت بها؟! فيقول - سبحانه وتعالى – (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ((2) سورة التكوير – 8، 9 –
 ماذا فعلت الموؤدة تستحق عليه القتل؟! ماذا ارتكبت لتُدس في التراب حية؟! ماذا جنت يداها؟! كل ذلك لكي يوضح – سبحانه وتعالى – عظيم الجرم الذي ارتكبه الآباء بوأد بناتهم !
ولكن هل يكتفي التشريع الإسلامي بحفظ حق البنت في الحياة فقط؟! وهل يكتفي المشرع بصيانة ذلك الحق فقط ؟! كلا وألف كلا، وهنا تبرز عظمة ذلك التشريع الإسلامي جلية واضحة، لا مجال للطعن فيها إلا من قبل أعمى فقد القدرة على التمييز بين الخطأ والصواب، الخبيث والطيب، بين نافخ الكير وحامل المسك، فالإسلام الحنيف لا يقبل ولا يكتفي بمجرد امتناع الآباء عن قتل و وأد البنات خشية الإملاق والفقر والفاقة، لا يكتفي بذلك، كما لا يكتفي بالامتناع عن قتلها خشية العار لماذا؟!
 قتل البنات خشية عار السبي
لأن تلك النجاة للبنت على يد الآباء، ربما تكون ناجمة عن تجنب الآباء للوحشية وضراوتها، وهذا ما لا يرضاه الإسلام، ولكن الذي إليه قصد التشريع الإسلامي من ذلك التحريم للوأد والقتل، أن يكون ذلك الامتناع من جانب الآباء خاصة، وجنس الرجال عامة نابعا من الإيمان بضرورة حق النساء في الحياة بحيث يكون الرجال أمناء على النساء.
ولذلك وجدنا الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – الذي لا ينطق عن الهوى يوصي أصحابه، وهو في مرض موته قائلا: ( الله الله في النساء وما ملكت أيمانكم )
وقال – صلى الله عليه وسلم – ( استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خُلقت من ضلع أعوج، و إن أعوج شئ في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تُقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيراً)
وقوله – صلى الله عليه وسلم –
( خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) (3) البداية والنهاية: ابن كثير ج 1 ص 75.
 بل أكثر من ذلك نجد القرآن الكريم ذلك الدستور الخالد على مر الأزمان يرفض مجرد التشاؤم أو التبرم من قبل المسلم من ذرية البنات، كما يأبى على المسلم خاصة، والرجال عامة تلقي خبر ولادة البنات بالعبوس والانقباض قال تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) (4) سورة النحل – 58، 59 –
وقال تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17)) (5) سورة الزخرف: - 17 -.ط
كثير من العائلات العربية الشرقية تفضل وترغب بالولد على البنت

 فأي تكريم ذلك الذي أحاط به الإسلام المرأة، فمجرد التشاؤم والتبرم   من ذرية البنات مرفوض، ومجرد الانقباض عند سماع حبر ولادتهن مرفوض – فبالله – عليكن هل وجد قبل الإسلام ديناً شرف إنسانية المرأة، كما شرفها التشريع الإسلامي؟! والإجابة متروكة لكن!!!!!!!!!!!!!

************************************************




 الفصل الثالث: الإسلام والمرأة
أولا: القيمة الإسنانية
(3)       أمانة وذمة:
من أروع الأمثلة الدالة على عظمة الإسلام الخاتم، الذي ارتضاه لنا الله – سبحانه وتعالى – ديناً، ذلك الشرع الحنيف، الذي جاء ليجُب ما قبله من المعتقدات، التي كانت المرأة فيها مستهجنة مهيضة الجناح، لا تقوى على رفع الضرر عن نفسها، ولا عن غيرها، فجاء الإسلام ليرفع من قدرها، ويُعلي من شأنها، فيجعلها شريكة الرجل في كافة أمور الحياة الإنسانية والاقتصادية، فمن أروع الأمثلة التي تُنبأ عن احترام الإسلام للمرأة، أن احترم الإسلام أمانتها وذمتها، فلها أن تجير من تشاء، وتؤمن منْ تشاء.
هذه هي المرأة التي لم تكن تملك مجرد حق الدفاع عن نفسها، ولم تكن تملك ما تطالب به من حفظ ماء وجهها، هذه المرأة الآن أصبح لها أمان ذمة بل وحق جوار يُصان، فالحال قد تغير، فقبل ذلك لم يكن لها حقوق في ظل المعتقدات والديانات، التي سبقت ظهور الإسلام
أما الآن وهي في ظل الإسلام، وفي كنف القرآن، بعد أن أمنت على حياتها، وبعد أن أصبح لها حقوق مشروعة لا مجال لإنكارها، أصبحت الآن تتمتع بالقدرة ليس على حماية نفسها فحسب؟! بل وحماية غيرها، إذا ما لاذ بجوارها، واحتمى بها، طالباً أمانها وذمتها.
ما أروع ذلك الدين وما أروع الرعاية والعناية التي حظيت بها المرأة في كنف ذلك الدين الموصوم بما ليس فيه من أنه أهدر قيمة المرأة، أفبعد إعطاء المرأة الحق في أن تُجير منْ تشاء، يُجدي مثل ذلك الزعم الباطل؟!!!
حق الجوار الذي كان قبل الإسلام من أخص صفات الرجل، والذي من أجله وقعت الكثير من الحروب مثل: حرب الباسوس، أصبحت المرأة في كنف الإسلام تشارك الرجال في ذلك الحق، وإليكن الدليل على ذلك:
يروي لنا التاريخ: أن أبا العاص بن الربيع خرج في تجارة لقريش قاصداً بلاد الشام، فوقعت القافلة في أيدي المسلمين، ولكن أبا العاص تمكن من الفرار، بينما استولى المسلمون على القافلة، فلما أرخى الليل سدوله، تسلل أبو العاص إلى المدينة، ولجأ إلى زوجته السيدة/ زينب ابنة الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم - وكانت السيدة/ زينب – رضي الله عنها – تركت زوجها في مكة، وهاجرت مع أبيها – صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة، لبقاء زوجها على الشرك.
لجأ أبو العاص إلى السيدة/ زينب مستجيراً بها، خائفاً من لإيذاء المسلمين له، وبينما المسلمون قد خرجوا لصلاة الفجر، وتقدم النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى المحراب، وكبر للصلاة، فصرخت السيدة/ زينب – رضي الله عنها – قائلة: يا أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع.
هذا القناع أعد لعقاب المرأة الثرثاره في بريطانيا في القرن السادس عشر.
وبعد أن انتهى الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – من صلاته، التفت إلى الناس قائلا: ((( هل سمعتم ما سمعت؟! فو الذي نفسي بيده ما علمت بهذا الأمر، إلا بعد ما سمعت كما سمعتم، إنه يُجير على المسلمين أدناهم )))
ثم انطلق إلى ابنته زينب وقال لها: ( يا بنيتي أكرمي مثواه، ولا يقربنك فإنك لا تحلين له ) فقالت إنما جاء يطلب ماله، فعرض الرسول – صلى الله عليه وسلم – على السرية التي استولت على القافلة، فقرروا رد الأموال إليه، فحمل أبو العاص المال، ورجع إلى مكة، وردَّها إلى أصحابها، ثم نادى فيهم: هل بقى لأحد منكم شئ؟! قالوا: لا جزاك الله خيراً، فقال: و الله لولا تظنوا بي الخيانة، لمكثت بالمدينة، وأسلمت مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم انطلق مسرعاً إلى المدينة، معلنا إسلامه، ناطقاً بالشهادتين، منضما إلى زوجته ) (1) الاستيعاب – 61 – 3 (4/1702) والإصابة – 11217 ( 7/ 665 )
نماذج من أحزمة العفة التي كانت ترتديها المرأة في أوربا في العصور الوسطى
فانظري يا آمة الله: أكان يمكن للمرأة أن تحمي نفسها قبل الإسلام؟! أم كان لها أن تُجير رجلاً على غير ملتها التي بها تدين وتعتقد؟! أكان من الممكن للمرأة أن تكون لها ذمة تُحترم، وجوار يُهاب؟! أعتقد بما لا يدع مجالاً للشك أن تكون كل هذه الأمور كانت تدخل في إطار المستحيل، فولا قدوم الإسلام، الذي اعترف للمرأة فإنسانيتها وكرامتها، وسمح لها بأن تُجير وتحمي منْ يلجأ إليها، وقد يردد بعض المشككين أن هذا الأمر ما كان ليحدث مع غير بنت النبي – صلى الله عليه وسلم - ؟!
وأد البنات في الجاهلية
ونرد على مثل هؤلاء بأن الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – كان ومازال القدوة والأسوة الحسنة، التي بها اقتدى القوم في الماضي، وما زال النشء يقتدي بها في الحاضر، ومن ثمة ما كان له – صلى الله عليه وسلم – ليُجيز ما فعلته ابنته، لو لم يكن ذلك من صلب الشريعة، التي إليها يدعو.
فالرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – أشد غيره على حدود الله من الرعية، أو لم يقل لأسامة بن زيد ( الذي كان صاحب منزلة ومكان سامية في قلب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ) لما ذهب إليه يشفع عنده في عدم تنفيذ الحد على المخزومية التي سرقت، فكان جوابه: - صلى الله عليه وسلم – ( أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة، والذي نفسي بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )
فبالله عليكن: هل سمعتن عن حقوق للمرأة، تُقدر وتحترم إنسانية المرأة قبل الإسلام؟! والجواب الذي لا ريب فيه: النفي القاطع، فلم يكن للمرأة كيان إنساني يُحترم قبل الإسلام، ذلك الدين الذي ا تضاه الحق – تبارك وتعالى – ليكون خاتم الأديان، فجعل القرآن الكريم دستور حياة، وصدق أحكم الحاكمين، ولسنا بأهل لتصديقه حين قال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا(2) سورة المائدة: - 3 –
وقوله – جل شأنه – ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) (3) سورة الأنعام: - 38 -





*********************************************************************************


الثالث: الإسلام والمرأة
أولا: القيمة الإنسانية
(4)       النفقة:
لقد رأينا فيما مضى:
·      أن البنت كانت تتعرض للبيع في سوق النخاسة من قبل أهلها، خوفاً من الإنفاق عليها، فإن لم يجد منْ يشتريها وهبها لأول عابر سبيل، أو تركها في الحقول ليفترسها الصقيع، أو الحيوانات الضالة.
أرملة هندوسية تحرق نفسها مع جثة زوجها
·      كما رأينا منْ يقوم بحرق الزوجة حية بعد موت زوجها لعدم استحقاقها للحياة والنفقة.
·      ورأينا العربي الجاهلي يقتل ابنته خشية الإملاق والفاقة.
·      ورأينا المرأة تُباع في أسواق لندن عام 1790م بشلنين، لأنها ثقُلت بتكاليف نفقاتها على الكنيسة التي كانت تأويها.
·      ورأينا رجلاً يُقايض على زوجته بحمار وعنزاً، وآخر في أكسفورد يُبدلها بسيارة، وثالث في بلجراد يبيعها بالرطل... الخ.
               عار  السبي من أسباب وأد البنات في الجاهلية
رأينا كل هذا بخصوص المرأة ابنة وزوجة، سلعة تُباع وتُشترى خشية الإنفاق عليها، وكان هذا كله قبل الإسلام.

 فلما جاء الإسلام وجدناه يمقت ذلك الوضع المشين بل والمهين للمرأة، ليس هذا فحسب، بل وجدناه يدعو بل ويأمر الأب والأخ والزوج بضرورة العناية المادية، والرعاية الأدبية بالمرأة، سواء كانت ابنة أو أخت أو زوجة أو أم أو عمة أو خالة أو جدة، وبذلك يكوم الإسلام العظيم قد حث كل منْ الأب والأخ والزوج على ضرورة العناية والإنفاق على المرأة بصفة عامة، فالبنت غير مكلفة بشئ من الإنفاق، ولكن الرجل هو الذي يقع عليه ذلك العبء.
فالتشريع الإسلامي قد أوجب وألزم نفقة البنت على ذمة أبيها أو ولي أمرها إلى أن يتم زواجها بمنْ هو كفء لها، حيث ينتقل الإنفاق لها وجوبا إلى ذمة الزوج، فإذا ما عادت البنت إلى بيت أسرتها بسبب طلاقها، فإن نفقتها تعود إلى ذمة أبيها أو ولي أمرها، وذلك بعد انقضاء العدة، التي تجب على المطلق، وكذلك الحال إذا عادت بسبب وفاة زوجها إلى بيت أسرتها.
هذا وليس لولي البنت أن يُلزمها طلب الرزق، لتنفق على نفسها، فذلك محرماً شرعاً، وذلك صيانة لشرفها، وتنزيهاً لها عن كل ما يُعرضها للأذى، إذا ما خرجت من البيت طلباً للسعي والعمل، ولنستمع الآن إلى القرآن الكريم، وسنة أشرف المرسلين – صلى الله عليه وسلم – فيما يخص الإنفاق على المرأة:
(وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير) (1) سورة البقرة: (233)
وقول الحق – تبارك وتعالى -:
(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) (2) سورة الطلاق: - 6 -
وقوله: - جل شأنه -:
(لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7) (3) سورة الطلاق: - 7 -
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:
( منْ عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين – وضم أصابعه - ) (4) صحيح مسلم.
وقوله – صلى الله عليه وسلم -:
( منْ كانت له ثلاث بنات فصبر عليهن، فأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كُنا له حجاباً من النار ) (5) مسند الإمام/ أحمد.
وقوله – صلى الله عليه وسلم -:
( منْ كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات، أو بنتان أو أختان، فأحسن صحبتهن، وصبر عليهن، واتقى الله فيهن دخل الجنة) (6) الحميدي.
  وقوله – صلى الله عليه وسلم -:
( فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بكلمة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك، فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن، وكسوتهن بالمعروف) (7) صحيح مسلم.
وقوله: - صلى الله عليه وسلم -:
( ألا أدلكم على أفضل الصدقة؟! ابنتك مردودة إليك، وليس لها كاسب غيرك) (8) ابن ماجه.
وقوله: - صلى الله عليه وسلم – حين سُئل عن حق الزوجة على زوجها، فقال:
( أن تُطعمها إذا أكلت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تُقبح ولا تهجُر إلا في البيت) (9) الإمام/ أحمد.

صدقت سيدي يا رسول الله – عليك أفضل الصلاة والسلام – أيمكن أن يكون هناك احترام، أو تقدير لإنسانية المرأة أكثر من هذا التقدير والاحترام، اللذين جاء بهما الإسلام؟! بالطبع لا وألف لا.  

*********************************************************************************


الباب الثالث: الإسلام والمرأة
أولا: القيمة الإنسانية

5 – دفع الضر:
والضُر الذي نقصده هنا، هو ذلك الضرر الذي يصيب إنسانية المرأة، فالأصل في الإسلام – لا ضرر ولا ضرار – أي لا يُلحق المرء الضرر بنفسه، ولا يُلحق الضرر بغيره، ولقد كان الضرر الواقع على المرأة قبل الإسلام يأخذ أشكالا عدة نحصرها فيما يلي:
 العصر الجاهلي
(أ) المرأة ميراث:
فلقد كان منتشراً في الجاهلية قبل الإسلام، أن الرجل إذا مات كان أولياؤه ( أهله وذوي قرابته ) كانوا يرثون زوجته ضمن ما يرثون من مال ومتاع، وكانوا أحق بها من أهلها، بل ومن نفسها، وإن شاءوا لم يزوجوها، وأمسكوها فهم أحق بها من أهلها ومن نفسها، فلا قدرة لها على تقرير مصيرها بعد موت زوجها.
(ب) العِضَــــل: والعضل فيه أقوال منها:
- إذا مات الرجل منهم في الجاهلية، وورث امرأته منْ يرث ماله، فكان يعضلها أي يحبسها حتى يرثها أو يزوجها منْ أراد.
- وقيل كان الرجل يسئ صحبة زوجته، فيُطلقها بعد أن يشترط عليها أن لا تنكح إلا منْ أراد حتى تتفدي منه نفسها ببعض ما أعطاها.
- وقيل هو إساءة الزوج لعشرة الزوجة،  لكي تترك له ما أصدقها، أو بعضه، أو تتنازل عن حق من حقوقها.
- وقيل كان الرجل ينكح المرأة الشريفة، فلعلها لا توافقه، فيفارقها على أن لا تتزوج إلا بإذنه، فيأتي بالشهود، ويكتب ذلك عليها، ويُشهد، فإذا جاء منْ يخطبها، فإن أعطت زوجها المفارق لها من المال أو أرضته أذن لها، وإلا عضلها، أي رفض زواجها، وحبسها عنده.
- وقيل كانوا إذا هلك الرجل وترك امرأة، حبسها أهلها على الصبي فيهم، فإن شاء تزوجها إن لم يكن ابنها، أو يُنحكها منْ شاء من إخوته أو ابن أخيه.
(ج) زواج المقت:
وهو أن يتزوج الابن زوجة أبيه، رغماً عنها وإن كانت غير راضية عن ذلك.

(د) الظهار:
وذلك بأن يقول الرجل لزوجته أنت عليً كظهر أمي.
(هـ) الإيلاء:
وذلك بأن يحلف الزوج على عدم معاشرة زوجته جنسياً، فتصبح الزوجة في كلا الحالتين الظهار والإيلاء محرمة عليه مع بقائها في عصمته، فلا هي زوجة، ولا هي مطلقة.
ولقد حرم الإسلام كل هذه الأشياء نظراً لفداحة الضرر الذي يقع على آدمية وإنسانية المرأة قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) (1) سورة النساء – 19 –
وقال – جل شأنه – (وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً) (2) سورة النساء – 22 –
وقال – تبارك وتعالى – (لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌوَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (3) سورة البقرة –226، 227
وقال – عز من قائل – (مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ الَّلائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) (4) سورة الأحزاب – 4 –
فما أروع وأعظم ذلك الدين الإسلامي الذي يحافظ على إنسانية المرأة، بدفع كل ما يخدش حياءها، والعمل على صيانة عرضها من كل ما يضر بها قولا أو فعلا قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌيَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (5) سورة النور – 23، 24 –
وقال – سبحانه وتعالى – (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (5) سورة النور – 4 -
وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ( اجتنبوا السبع الموبقات؟! قالوا: وما هن يا رسول الله ؟ قال: الشرك بالله و السحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ) (6) الكبائر.
أرأيت يا آمة الله ديناً يحافظ على كرامتك، وإنسانيتك ، وعرضك مثل دين الإسلام؟! أرأيت تشريعاً يدفع عنك الضرر مادياً وأدبياً ومعنوياً مثل تشريع الإسلام؟! أرأيت دستوراً يحافظ على آدميتك وشرفك وعزتك مثل القرآن الكريم؟! وسنة الرسول الكريم – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ؟! وأترك لك الإجابة على تلك التساؤلات.

وإليك أيتها الأخت الكريمة في الله قصة بسيطة توضح لك مدى سرعة الوحي بالنزول على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليدفع الضُر الذي نزل بإحدى النساء، نزولا على عادات الجاهلية، يحكي لنا التاريخ: أن السيدة/ جميل بنت يسار زوجها أخوها ووليها معقل بن يسار من رجل مسلم يُدعى أبو الدحداح، وكانت تحب زوجها حباً جماً، إلا أنه ذات يوم اختلف معها فطلقها، وعادت إلى بيت أخيها حزينة.
ومضت الأيام، وانقضت عدتها دون أن يُراجعها زوجها، ولكن بعد انقطاع العدة، ندم الزوج على فراق زوجته، وشعر بالرغبة الجامحة في العودة إليها، فذهب إلى أخيها يخطبها من جديد، وفرحت المرأة بذلك، ولكن فرحتها لم تدم طويلا، إذا رفض أخوها عودتها إلى زوجها وقال له: زوجتك وأكرمتك وأفرشتك، فطلقتها، ثم جئت تخطبها لا والله لا تعود إليها، وأصر على عدم تزويجها منه، رغم حبها له، وحبه لها.
وحزنت الزوجة، وحزن الزوج، ولكنهما لا يملكان من أمرهما شيئاً، فأخوها هو وليها الشرعي، الذي لديه حرية التصرف والأمر والنهي فيها، وفقا لعاداتهم القديمة، ولكن ذلك الضرر الواقع على عاتق المرأة شئ يرفضه الإسلام، ولذلك نزل جبريل – عليه السلام – يخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – الخبر، ويتلو عليه من آيات الله، ما خص به السيدة/ جميل بنت يسار، وحكم الله في قصتها، وما غُلبت عليه، قال تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (7) سورة البقرة – 232 –
فما كان من الرحمة المهداة – عليه الصلاة والسلام – إلا أن استدعى ذلك الأخ، وأعلمه حكم – الله – الذي خضع له، فعادت الزوجة إلى زوجها، والتأم شمل الأسرة من جديد.
أختي في الله: أرأيت كم السماحة؟! أرأيت كم دفع الضُر الذي ذخر بهما شرعنا الحنيف؟! أرأيت كم حرص ذلك الشرع على الارتقاء بإنسانية المرأة؟! أرأيت كم أسرع الوحي حاملا الحكم في القضية من قبل الحق – تبارك وتعالى – رافضا لكل ما يضر بآدمية وإنسانية المرأة؟!


****************************************


الباب الثالث: الإسلام والمرأة
ثانيا: احترام الإسلام لفكر وعقل المرأة:
 لقد قدر الإسلام فكر وعقل المرأة، ضمن سلسلة التكريم، التي خص بها الإسلام المرأة، منذ أن جاء إلى المعمورة، فكما كرم الإسلام المرأة إنسانيا وأدبيا وماديا، كذلك كرمها فكريا وعقليا، وإليك عزيزتي نسوق بعض الأمثلة الدالة على تكريم الإسلام لفكر وعقل المرأة:
(1) أسماء بنت يزيد:
خير نساء الأنصار من بني الأشهل، وقد لُقبت بأنها سفيرة النساء إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فتعالين نستمع إلى حوارها مع الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – لنكشف سويا كيف احترم الإسلام فكر وعقل ورأي المرأة، بل أحاطها بالتكريم من كل جانب.

دخلت السيدة/ أسماء على النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو في ملأ من أصحابه، فقالت له: بأبي وأمي أنت يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، لقد بعثك الله – عز وجل – إلى الرجال والنساء كافة، فآمنا بك وبإلهك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وأنكم يا معشر الرجال فُضلتم علينا بالجُمع والجماعات وعيادة المريض، وشهود الجنازات، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك كله الجهاد في سبيل الله، وأن الرجل إذا خرج حاجا أو مجاهدا أو معتمرا، حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا أثوابكم، وربينا أولادكم، فبما نُشارككم في هذا الخير والأجر؟! 
فالتفت النبي – صلى الله عليه وسلم – بوجهه كله إلى أصحابه، وقال: هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها من هذه؟!
فقالوا: يا رسول الله ما ظننا امرأة تهتدي إلى مثل هذا؟!
 فالتفت النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى المرأة وقال: افهمي أيتها المرأة، وأعلمي منْ خلفك من النساء، أن حُسن تبعُل المرأة لزوجها، وطلبها مرضاته، وإتباعها موافقته يعدل ذلك كله. (1) الجامع الكبير ج 2/ 719 – والاستيعاب لابن عبد البر   ج 4 / 1788
(2) خولة بنت ثعلبة:

زوجة أوس بن الصامت، وكان رجل شديد العصبية، بلغ به الغضب يوما، أن أغلظ لها القول، بأن قال لها: أنت عليَّ كظهر أمي، ثم غاب عنها ساعة وعاد يريدها لنفسه.
فقالت له: لا – والله – لا تقربني حتى يحكم الله ورسوله فيَّ بعد الذي فلته، وكان الظهار متبعا لديهم في الجاهلية، وتحرُم المرأة بموجبه، ولا مجال للصلح بينهما.
 وذهبت السيدة/ خولة إلى الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – وهي في حيرة من أمرها، وأمر عيالها، فإن تركتهم لأبيهم ضاعوا، وإن أخذتهم جاعوا، فما العمل؟!  فشكت حالها إلى الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – قائلة: ((( يا رسول الله أكل شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا ما كبُرت سني، وانقطع ولدي، ظاهر مني، عيالي إن تركتهم ضاعوا، وإن أخذتهم جاعوا،  أما من مخرج ؟! أما من حل ؟! 
فيقول لها – صلى الله عليه وسلم – ما أرى إلا إنك قد حُرمت عليه. )))
 ولكنها لم تقتنع بذلك، وترغب في مخرج يجمعها مع زوجها، فخرجت حزينة وهي تردد: - اللهم – إني أشكو إليك.
فأجاب الحق – تبارك وتعالى – السيدة/ خولة إلى طلبها، وجعل قصتها قصة خالدة على مر الأيام، فأنزل فيها قرآنا يرددها على مر الأزمان، في سورة سُميت باسمها ألا وهي سورة – المجادلة – حيث قال تعالى: ((( : (((قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِى تُجَٰدِلُكَ فِى زَوْجِهَا وَتَشْتَكِىٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَآ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌۢ بَصِيرٌ(1)ٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَآئِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَٰتِهِمْ ۖ إِنْ أُمَّهَٰتُهُمْ إِلَّا ٱلَّٰٓـِٔى وَلَدْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًۭا مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُورًۭا ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌۭ (2) وَٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا۟ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍۢ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ۚ ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِۦ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌۭ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ۖ فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًۭا ۚ ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ ۗ وَلِلْكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ(4) ))) (2) سورة المجادلة – 1 : 4 –
وبعد نزول القرآن
(أمرها الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن تأمر زوجها بعتق رقبة، فقالت: يا رسول الله: ليس عنده ما يعتق به رقبة، قال: إذن فمرية أن يصوم شهرين متتابعين، قالت: لا يقوى على الصيام، قال: فمرية أن يُطعم ستين مسكينا وسقا من تمر، قالت: من أين يُطعم ستين مسكينا؟!
فقال الرسول – صلى الله عليه وسلم – سوف أعينه بعرق من تمر، فقالت: وأنا يا رسول الله أُعينه بعرق آخر، فقال: أحسنت وأصبت يا خولة، فاذهبي فتصدقي به عنه، ثم استوصي بابن عمك خيراً)
(3) الشفاء بنت عبد الله:
 صحابية جليلة لها عقل رشيد، ورأي سديد، فتعالين نرى كيف كانت قصة تلك الصحابية مع منْ؟! مع الفاروق عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - ؟!
يروي لنا التاريخ:
أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ركب المنبر، ثم قال: أيها الناس، ما إكثاركم في صداق النساء؟! وقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه والصدَّقات فيما بينهم أربعمائة درهم، فما دون ذلك، ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة – لم تسبقوهم إليها، فلا أعرفن رجل زاد في صداق امرأة على أربعمائة درهم، ثم نزل من على المنبر، فاعترضت طريقة تلك الصحابية، وقالت: يا أمير المؤمنين، نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم، قال: نعم – قالت: أما سمعت ما أنزل الله – في القرآن؟! قال: وأي ذلك ؟! فقالت: أما سمعت الله يقول: (وَإِنْ أَرَدتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍۢ مَّكَانَ زَوْجٍۢ وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَىٰهُنَّ قِنطَارًۭا فَلَا تَأْخُذُوا۟ مِنْهُ شَيْـًٔا ۚ أَتَأْخُذُونَهُۥ بُهْتَٰنًۭا وَإِثْمًۭا مُّبِينًۭا(3) سورة النساء – 20 –
 فقال: اللهم غفرا، كل الناس أفقه من عمر، ثم رجع فركب المنبر، وقال: إني كنت نهيت أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم، فمنْ شاء أن يُعطي من ماله ما أحب فليفعل) (4) تفسير ابن كثير: ج 1 / 442

 هل رأيتن ديناً يعتني بفكر وعقل ورأي المرأة مثلما فعل ويفعل الدين الإسلامي ؟! أعتقد أن ذلك أمر يدخل في إطار المستحيل سواء في الماضي البعيد أو في الحاضر القريب، فاحترام عقل وإنسانية المرأة، لم يعرفه أي دين غير الإسلام حتى في العصر الحاضر، وخير دليل على ذلك ما حدث في سويسرا سنة 1966 م حيث جرى استفتاء هناك يدور حول: هل تُمنح المرأة حق العضوية في الانتخابات ؟! أو تُحرم منه ؟! وأسفر الاستفتاء عن حرمانها من ذلك الحق.

****************************************



الباب الثالث: الإسلام والمرأة:
ثالثا: المساواة بين الرجل والمرأة:
تمهيد:
لقد رأينا فيما سبق ما فعله الإسلام للمرأة وبالمرأة، ورأينا كيف أن الإسلام كرم آدمية وإنسانية المرأة، ورأينا كيف أن التشريع الإسلامي رفع عن المرأة الذلة والمهانة، التي لحقت بها، ورأينا كيف أنه برأ ساحتها من الزعم الباطل، بأنها جسد بلا روح، وأنها أساس الخطيئة، وأنها في منزلة الحيوان، وقرين الشيطان، ورأينا كيف رفع عنها الألم النفسي من خلال التشاؤم لمجرد مولدها، والألم المادي بوأدها حية، ورأينا كيف صانها عن الالتزام بالإنفاق على نفسها، فجعل لها منفقا سواء: وليها أو زوجها أو أخوها، ورأينا كيف رفع ودفع الضُر عنها ماديا وأدبيا، فحرم كل ما من شأنه أن يخدش حياءها، أو يمس عرضها ورأيها، وكيف هرع الوحي بآيات الذكر الحكيم التي تؤيد ما ذهبت إليه في فكرها وعقلها.
والآن نوضح جانب آخر من جوانب تكريم الإسلام للمرأة، هذا الجانب الذي يتمثل في مساواتها بالرجل في كافة الحقوق والواجبات، فيكون لها حقوق معروفة، تطالب بها لأول مرة في حياتها، وتكون عليها واجبات محددة تلتزم بها، ولا تلتزم بسواها، فتعالي بنا نتعرف على تلك الحقوق التي فرضها الحق – تبارك وتعالى – للمرأة، والتي تكفل لها مساواتها بالرجل.
تلك المساواة التي تحققت منذ بزوغ فجر الإسلام للمرأة المسلمة، بينما لا زالت بنات جنسها في ظل الديانات الأخرى، يلهثن بحثا عن مثلها، والعجب أنهن حاولن إقناعك أختي المسلمة بأنك مثلهن، لم تحصلي على هذه الحقوق، التي عنها يبحثن، وإليها ينشدن، وما دفعهن إلى ذلك إلا الحقد الذي ورثنه، والكيد الذي يواجهنه للنيل من هذا الدين الإسلامي، فما هي تلك الحقوق ؟! وما هي تلك المساواة؟ّ
-        حق الميراث.
-        أخذ البيعة.
-        الأمر والنهي في العبادات والمعاملات.
-        الأهلية التامة.
-        التعليم.
-        حق المرأة في العمل.
-        القضاء.
ولكن قبل أن نتناول تلك الحقوق في شئ من التفصيل لابد أن نحدد المعيار الذي وضعته الشريعة الإسلامية فيما يخص مساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات، هذا المعيار الذي يقوم على مبدأ: أن كل حق يقابله واجب، فإذا أخذ الرجل حق ما قابل هذا الحق واجب محدد، وبنفس الدرجة إذا أخذت المرأة حق ما قابل هذا الحق واجب محدد، على اعتبار أن كل حق يقابله واجب، فإذا سقط عن المرأة حق ما سقط في مقابلة واجب محدد، وبنفس الدرجة إذا زاد للرجل حق ما قابل هذه الزيادة واجب محدد، ومن هنا نجد أن المساواة في الحقوق والواجبات سواء للرجل أوالمرأة، هو ما يحدد مساواة الرجل بالمرأة في الإسلام وهذا ما سيتضح أكثر عند تناولنا تلك الحقوق الخاصة بالمرأة في شئ من التفصيل.









*********************************************************************************




الفصل الثالث: الإسلام والمرأة
ثالثا: المساواة بين الرجل والمرأة:
(1)          حق الميراث.
 نساء يهوديات
إذا ما تتبعنا الميراث كما جاء في التوراة: لو جدنا أول منْ يرث الميت ولده الذكر، وإذا تعدد الذكور من الأولاد، فللبكري حظ اثنين من إخوته، أما البنات فلم تبلغ منهن الثانية عشرة فلها النفقة والتربية حتى تبلغ هذا السن تماما، وليس لها شئ بعد ذلك،فإذا لم يكن للميت ابن، انتقل الميراث إلى ابن ابنه،فإذا لم يكن له ابن انتقل الميراث إلى البنت، فأولادها، ولكن على شرط : إذا ورثت البنت يُحرم عليها الزواج من غير سبطها.
فقد جاء في الإصحاح السابع  والعشرين من سفر العدد ما نصه: ( أيما رجل مات وليس له ابن تنقلون ملكه إلى بنته ) ويلي ذلك الإصحاح السادس والثلاثين ما نصه: ( وكل بنت ورثت نصيبا من أسباط بني إسرائيل، تكون امرأة لواحد من عشيرة سبط أبيها، لكي يرث بني إسرائيل كل واحد نصيب آبائه فلا يتحول من سبط إلى سبط آخر، بل يلازم أسباط بني إسرائيل، كل واحد نصيبه كما أمر الرب موسى )
فإذا ما انتقلنا إلى العرب في الجاهلية لوجدنا: أنهم لا يورثون البنت في حين يورثون الولد بعد البلوغ، فلم يكن عندهم حق للبنت ولا ميراث، وكان الأساس الذي يعتمدون عليه في تقرير حق الميراث، أن الميراث حق لكل منْ قاتل علىظهر الخيل، وحاز الغنائم، وليس ذلك من مهمام النساء أو البنات.
 فلما جاء الإسلام: جعل للبنت حقا معلوما في الميراث دون قيد أو شرط كما في التوراة، ودون أن تحمل السلاح، وتحيز الغنائم كما كان عند العرب في الجاهلية، فقد قال تعالى:( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ) (1) سورة النساء – 7 –
ولقد جاء في سبب نزول تلك الآيات: أن زوجة سعد بن الربيع ذهبت إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقالت: ( يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قُتل أبوهما شهيدا معك في أُحد، فأخذ عمهما ماله ولم يدع لهما شيئا، وهما لا تتزوجان إلا ولهما مال؟!
فقال  - صلى الله عليه وسلم - : ( الله أعلم في ذلك ! )
فنزلت آيه الميراث قال تعالى : (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ) سورة النساء – 11 –
فأرسل – صلى الله عليه وسلم -  إلى عم الفتاتين، وقال له: أعط بنتي سعد الثلثين وأمهما الثُمن، وما بقى فهو لك )
فكان هذا أول ميراث في الإسلام، وأول ميراث للمرأة بصفة عامة، زبذلك يكون الإسلام قد أنصف المرأة، و أعطاها من الحقوق ما لم يكن معروفا بالنسبة لها من قبل.

****************************************


الباب الثالث: الإسلام والمرأة    
ثالثا: المساواة بين الرجل والمرأة
(2) أخذ البيعة
مبايعة الرسول – صلى الله عليه وسلم – على السمع والطاعة والقيام بأحكام الشريعة، مبايعة مستقلة عن مبايعة الرجال، لأنهن في نظر الإسلام، مسؤولات عن أنفسهن مسئولية خاصة، ومستقلة عن مسئولية الرجال، قال تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (1) سورة الممتحنة – 12 –
فقد جاء إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – مجموعة من النسوة على رأسهن أميمة بنت رقيقة جئن لكي يبايعن على الإسلام والإيمان والقيام بأوامر الرحمن، حيث تقول – رضي الله عنها - :

( أتيت النبي – صلى الله عليه وسلم – في نسوة أبايعه، فاشترط علينا ما في القرآن، وقال: [ لا تسرقن، ولا تزنين، ولا تقتلن أولادكن، ولا تأتين ببهتان تفترينه... ثم قال لنا: فيما استطعتن وأطقتن ] قلنا: الله ورسوله أرحم بنا من انفسنا، - قلنا يا رسول الله ألا تصافحنا؟! قال: إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لإمرأة واحدة) (2) صحيح مالك (942) أحمد ( 6/ 357) الترمذي ( 1645 ) النسائي ( 7/ 149 ) ابن ماجه ( 2874 )
بديع ما جاء في مبايعة النساء، تلك البيعة التي تمت بين الرسول – صلى الله عليه وسلم – وبين السيدة/ هند بنت عتبة – زوجة أبي سفيان بن حرب – والتي تدل على مدى تكريم الإسلام للمرأة، وكم الحرية التي كانت ممنوحة لها لتجادل وتناقش:

فيروي لنا التاريخ: أن هند بنت عتبة ذهبت متنقبة في جمع من النساء لتبايع الرسول – صلى الله عليه وسلم – وكان – صلى الله عليه وسلم – لا يصافح النساء في البيعة كما كان يفعل مع الرجال، وإنما يقرأ عليهن تلك الآيات السابقة من سورة الممتحنة ( يأيها النبي ) فقال – صلى الله عليه وسلم - : ( أبايعكن على أن لا تشركوا بالله شيئا؟!
فقالت هند: وكيف نطمع أن يقبل منا مالم يقبله من الرجال؟!
فقال – صلى الله عليه وسلم -: ولا تسرقن؟!
فقالت هند: إن أبا سفيان رجل شحيح إني أصبت من ماله هناه- فما أدري أتحل ليًّ؟! أم لا ؟!
فقال أبو سفيان وكان حاضرا: ما أصبت من شئ فيما مضى فهو لك حلال.
فضحك الرسول الكريم  وعرفها فقال لها: وإنك لهند بنت عتبة؟!
قالت: نعم فاعف عما سلف يا نبي الله عفا الله عنك ؟!
فقال – صلى الله عليه وسلم - : ولا تزنين ؟!
فقالت: أو تزني الحرة ؟!
فقال: ولا تقتلن أولادكن ؟!
فقالت: ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا، فأنت وهم أعلم [ تقصد مقتل ابنها حنظلة في يوم بدر ]
فضحك عمر وكان حاضرا،
وتبسم الرسول – صلى الله عليه وسلم – وقال: لا تأتين ببهتان ؟!
فقالت هند: إن البهتان لأمر قبيح، وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق.
فقال الرسول الكريم: ولا تعصين في معروف؟!

فقالت: والله ما جلسنا في مجلسنا هذا، وفي أنفسنا أن نعصيك في شئ ) (3) المرأة في جميع الأديان والعصور/ محمد عبد المصود ص 63

****************************************


الباب الثالث: الإسلام والمرأة
ثالثا: المساواة بين الرجل والمرأة    (3) الأمر والنهي في العبادات والمعاملات:
فالمرأة مكلفة بالصلاة والصيام والزكاة والحج كما هو الحال بالنسبة للرجال، كما أشركها الإسلام في دعوته، ولا يفوتنا الدور الذي قامت به السيدة/ خديجة بنت خويلد – رضي الله عنها – في تثبيت أقدام النبي – صلى الله عليه وسلم – في مطلع الدعوة، في أول نزول الوحي عليه، كما لا ننسى مؤازرتها للنبي – صلى الله عليه وسلم – في الشدائد والصعاب، وقد اعترف لها – صلى الله عليه وسلم – بذلك الفضل، فقال مادحا لها، ومثنيا عليها:- ( ... فقد أمنت بي إذا كفر الناس، وصدقتني وكذبني الناس، وواستني في مالها، إذ حرمني الناس ... )
كما لا ننسى دور السيدة/ أسماء بنت أبي بكر – رضي الله عنهما – وهي تنقل الغذاء لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – وصاحبه في الغار.
وعلاوة على هذا كله فتعالين نرى كيف سوى الإسلام بين الرجل والمرأة في الأمر والنهي في العبادات والمعاملات:
·      فقد كلف – الحق تبارك وتعالى – كل من الرجل والمرأة، وساوى بينهما في التكليف، قال تعالى: (   يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ   (1) سورة الحجرات – 11 –
·      كما ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في الحصول على درجات الثواب لفعل الخير، والعقاب لفعل الشر – قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ       )
 (2) سورة النحل – 97 –      وقال  - عز من قائل – (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا    ) (3) سورة النساء – 124 –                     
وقال – سبحانه وتعالى – (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ    (4) سورة آل عمران – 195 –
·      كما أن كل منهما مسئول عن عمله: (   وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ    (5)سورة الطور – 21 – 
·      ومن أروع  ما جاء في المساواة بين الرجل والمرأة في التكليف والحقوق والواجبات والثواب والعقاب قول – الحق تبارك وتعالى: (  إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا      (6) سورة الأحزاب – 35 –
·      هذا وقد جعل الإسلام للمرأة مسئولية مستقلة عن الرجل فيما يتعلق بأمرها مع الله – جل وعلا ) فلا يؤثر عليها صلاح زوجها إذا كانت فاسدة، ولا يؤثر عليها فساد زوجها إذا كانت هي صالحة، قال تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ  *  وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ  (7) سورة التحريم – 10، 11 - 



***************************************************************************




الباب الثالث: الإسلام والمرأة
 ثالثا: المساواة بين الرجل والمرأة:  
(4) الأهلية التامة:
 فمن الحقائق القرآنية الكبرى أن القرآن الكريم، قد قرر للمرأة أهلية تامة، وحقا كاملا غير مقيد بأي قيد، (فيما عدا ما حرم الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – ) في جميع التصرفات المدنية والاقتصادية والشخصية، فقد جعل لها الحق والأهلية التامة لحيازة المال، مهما عظم قدره، فالمرأة في الإسلام لها حق: الإرث والهبة والوصية والدِّين وتملك العقارات والتعاقد والتكسب والمصالحة والتقاضي والتصرف فيما تحوز وتملك، ويصل يدها من مال من أي نوع – اتفاقا وبيعا وعتقا وهبة ووصية... الخ من الحقوق التي تدخل في نطاق تلك الأهلية الغير منقوصة والغير مشروطة.
هذا فصلا عن أهلية المرأة التامة في الزواج، فقد اشترط الإسلام موافقتها على الزواج بكرا كانت أم ثيبا، وعدم حق وليها في تزويجها بمنْ لا تريد، وجعل عودتها إلى زوجها الذي طلقها بموافقتها ورضاها، وفداءها نفسها منه إذا رغبت في عدم العودة، وحقها في تزويج نفسها إذا ترملت، وإليكن بعض ما يؤيد ويدعم ذلك :
 ·      جاء في الاستيعاب لأبن عبد البر: أن خنساء بنت خالد من بني عمر
وبن عوف النجارية، التي تأيمت في أُحد، حيث كانت متزوجة من أنيس بن قتادة الأنصاري، الذي أستشهد في أُحد، فزوجها أبوها رجلا لا ترغب في الزواج منه.
فذهبت إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقالت: يا رسول الله إن أبي أنكحني، وأن عم ولدي أحب إلىَّّ، فجعل النبي – صلى الله عليه وسلم – تطليقها بيدها، ورد الزواج الأول، فخطبها أبو لبانة بن المنذر فأنجبت له السائب.
 ·      جاءت فتاة إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالت: إن أبي
زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، فجعل الرسول – صلى الله عليه وسلم – الأمر بيدها وإليها، فقالت: لقد أجزت ما صنع أبي، ولكني أردتُ أن أُعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شئ.
 ·      طلب عبد الله بن عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما – أن يخطب له
بنت السيدة/ أم عبد الله زوجة نُعيم بن النَّخام، فقال عمر – رضي الله عنه -: يا بني أنا أعلم بنعيم منك ؟! إن له ابن أخ يتيما، ولا يمكن أن يصل لحمك، ويقطع لحمه، فخذ عمك زيد، فلما ذهب عبد الله وعمه إلى نُعيم أثنى على عبد الله – ثم ردهما بالمعروف.
فصاحت زوجة نُعيم من الداخل قائلة: لا والله لا يكون هذا حتى يقضي به علينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم ذهبت إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – تشكو إليه، فاستدعى نُعيم وسمع منه ثم قال له: ( يا نُعيم صل رحمك وأرض أيمك فإن لها في أمرها نصيب )
 ·      وخير الكلام في ذلك الباب قوله – صلى الله عليه وسلم – ( أمروا
النساء في أنفسهن، فإن الثيب تُعرب عن نفسها، وإذن البكر صمتها) (1) الطبري في الكبير، والبيهقي في السنن – عن العرس بن عميره – ورجاله ثقات.

***********************************************



الباب الثالث: الإسلام والمرأة 
ثالثا: المساواة بين الرجل والمرأة:  
(5)التعليم:
 يحاول الكثيرون ممن ورثوا العداء للإسلام، جيلا إثر جيل، الذين طمس الحقد على قلوبهم، فلم تعد تميز بين الخبيث والطيب، وأرخى الغل والكيد سدوله على أعينهم، فلم تعد تبصر النور من الظلام، يحاول هؤلاء جميعا بعد أن استلوا حقدهم وكيدهم وغلهم للإسلام، يحاولوا كذبا وافتراءا أن يصموا الإسلام بما ليس فيه، سيرا في الدرب الذي سلكه أجدادهم من قبلهم، لتشوية صورة الإسلام المفترى عليه بالأمس واليوم، يحاول هؤلاء ومنْ على شاكلتهم النيل من عظمة وروعة ذلك الدين الحنيف، فيرددون:
أن الإسلام لم يوجه أية عناية بتعليم المرأة، وأنه حرمها من حقها في التعليم، وقصر دعواه إلى التعليم على الرجال فقط دون النساء، هذا بخلاف بعض أدعياء العلم من المسلمين، الذين دفعهم التعصب الأعمى إلى محاربة تعليم المرأة، واعتبروا ذلك ورعا وتقوى وشدة إيمان.
 وفي واقع الأمر فكلا الزعمين لا يقوم على سند حقيقي أو شرعي، فالإسلام بريء من كلا الزعمين براءة الذئب من دم ابن يعقوب، فكما أن المرأة لم تعرف الكثير من الحقوق إلا على يد الإسلام، فهي كذلك لم يُفرض لها نصيب من التعليم إلا على يد الإسلام أيضا، بل إن الإسلام قد جعل ثواب تعليمها يعدل النجاة من النار، وكل ذلك لكي يشجع الآباء على تعليم بناتهم.
وربما يكون ذلك الزعم الباطل، بأن الإسلام لم يشجع على تعليم المرأة، يعود على استناد بعض جهلة المستشرقين على الفترة التي بُعدت فيها الدولة الإسلامية عن مناهل شرعها الحنيف ومناهل دينها الكريم، إلى أن وصل بها الأمر إلى تقسيمها إلى دويلات خضعت للاستعمار، الذي حارب تعليم الرجال والنساء إلى السواء، إلى أن وصلت الأمية في أغلب بلدان الدولة الإسلامية المنهارة إلى ما يربو على التسعين بالمائة.
 والآن تعالين بنا نرى بعض الأدلة التي يتضح منها أن الإسلام قد جعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، ينبغي على كل منهما السعي إليه، والوصول إلى أفضل الدرجات فيه، فلتسمعن وليسمع هؤلاء الأفاقون إلى:
- ما ثبت في صحيح البخاري ومسلم من أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يخص النساء بأيام يعلمهن فيها مما علمه الله، وذلك لما جاءته امرأة، وقالت: ( يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوما نأتي فتعلمنا مما علمك الله، فقال – صلى الله عليه وسلم -: (( اجتمعن في يوم كذا وكذا في موضع كذا )) فاجتمعن فجاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فعلمهن مما علمه الله.)
- وليسمع هؤلاء الشراذم الضالة: لما رواه الترمذي و أبو داود من أنه عليه الصلاة والسلام قال: ( منْ كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات، أو بنتان أو أختان، فأدبهن وأحسن إليهن، وزوجهن فله الجنة )
وقوله – صلى الله عليه وسلم – ( وأيما رجل كانت عنده وليدة – جارية – فعلمها فأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله الجنة )
فهذا الحديث لا يدعو إلى تعليم الحرائر فقط، وإنما يدعو إلى تعليم الجواري والإيماء أيضا.

- ولتسمعن إلى: قول أم هشام بنت حارثة بن النعمان حيث تقول: ما أخذت قاف والقرآن المجيد إلا من لسان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم الجمعة يقرأ بها على المنبر كل جمعة.
 - ولتسمعن لما أخرجه الحاكم حيث قال: إن رجلا من الأنصار خرجت به نملة، فدل أن الشفاء بنت عبد الله ترقي من النملة، فجاءها فسألها أن ترقية، فقالت: والله ما رقيت منذ أسلمت – فذهب الأنصاري إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأخبره بالذي قالت الشفاء، فدعا الرسول – صلى الله عليه وسلم – الشفاء فقال: (( أعرض عليَّ، فعرضتها – فقال – صلى الله عليه وسلم – أرقيه، وعلميها حفصة – زوجته – كما علمتيها الكتاب ) وفي رواية أخرى الكتابة.
أبعد هذا يُقال أن الإسلام لم يشجع على تعليم المرأة، ولمزيد من الإيضاح نسوق بعض أسماء العالمات المتعلمات اللائي بلغن شأنا عظيما في مختلف فروع المعرفة، بل وتتلمذ على أيديهن علماء من الرجال:
(أ)أم المؤمنين/ عائشة بنت الصديق:
- فعن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ( كُمل من الرجال كثير، ولم يكتمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) (1) البخاري 5/36، مسلم 15/201 مختصرا، وأحمد 4/ 394 - 409
- وقال عروة بن الزبير: لقد صحبت عائشة، فما رأيت أحد قط أعلم بآية نزلت ولا بفريضة ولا بسنة ولا بشعر ولا أروى له ولا بيوم من أيام العرب، ولا بنسب ولا بكذا ولا بقضاء ولا طب منها – فقلت لها: يا خالة الطب من أين علمته ؟!
فقالت: كنت أمرض فيُنعت ليَّ الشئ، ويمرض المريض فيُنعت له، وأسمع الناس ينعت بعضهم لبعض، فأحفظه) (2) ( أبو نعيم 4/ 42 الحاكم 4 /11 مختصرا – الذهبي في السير 2 / 183
 - وقال الزهدي – رحمه الله – لو جُمع علم عائشة إلى علم جميع النساء، لكان علم عائشة أفضل (3) الحاكم 4/11  
(ب) دهماء بنت يحي بن المرتضى:
شرحت كتاب الأزهار من فقه أهل البيت في أربع مجلدات، ولها شروح على منظومة الكوفي في الفقة والفرائض، وشرح لمختصر المنتهى.
(ج) زينب الشهارية:
قرأت في النحو والمنطق والأصول والنجوم وبرعت في الآداب ولها العديد من الأشعار القوية المعاني المتينة المباني.
(د) عليه بنت المهدي:
كانت من أحسن النساء وأظرفهن، وأعقلهن، تقول الشعر الجيد، وتصوغ فيه الألحان الحسنة، قال الحصري: كانت عليه تعدل بكثير من أفاضل الرجال في فضل العقل وحسن المقال، ولها شعر رائق وغناء رائع، ولها ديوان شعر معروف بين الأدباء.
(هـ ) الشفاء بنت عبد الله:
كانت كاتبة ولديها مهارة في الخط وتزيينه، وعلى يدها تعلمت الكثيرات من أمثال أم المؤمنين/ حفصة بنت عمر بن الخطاب، كما كانت تعالج بالرقية.
هذا بخلاف الطبيبات أمثال: زينب طبيبة بني أزد، وأم الحسن بنت القاضي أبي جعفر الطنجالي.
والكاتبات الشاعرات أمثال: عائشة بنت أحمد بن قادم، وولادة بنت الخليفة المستكفي بالله.
والمحدثات أمثال: نُسيبة بنت كعب، وكريمة المروزية، ونفيسة بنت محمد... الخ.
 ويكفينا أن نعلم ما قاله الحافظ بن عساكر حيث قال:
أن عدد شيوخه وأساتذته من النساء كان بضعا وثمانين أستاذة، وأن الإمام البخاري والشافعي وابن خلكان وابن حيان وجميعهم من الفقهاء والعلماء والأدباء المشهورين كانت النساء ضمن الأساتذة الذين أخذوا على أيديهم العلم، أبعد هذا يُقال أن الإسلام لم يُشجع على تعليم المرأة؟!!!

****************************************



الباب الثالث: الإسلام والمرأة:
ثالثا: المساواة بين الرجل والمرأة:
(6) حق المرأة في العمل:

 من بين الأمور التي خاض فيها الحاقدون، وتعرض لها الأفاقون، وربما سايرها بعض جهلة المسلمين: أن الإسلام وقف حائلا بين المرأة وبين العمل، وحصرها في المنزل لا تغادره، إلا في اليوم الذي سوف يوارى عليها التراب فيه.
وهذا أيضا محض ادعاء وافتراء كاذب، ينم عن حقد دفين استقر في القلوب والضمائر نحو هذا الشرع الحنيف، الذي لم يدع شئ من أمور الدنيا والآخرة، إلا وأتي بخبر منه وعنه، وتفصيل له، ولن نحاول هنا بيان ما يصلح للمرأة من أعمال، فهذا ما سنتناوله في موضوع آخر عند ردنا على جملة الافتراءات التي يحاول الحاقدون إلصاقها بالإسلام.
ولكننا هنا حق المرأة في العمل كمبدأ عام، كحق شرعي لها حدده الكتاب والسنة، وليس حق مكتسب مازالت المرأة تبحث عنه في أشد المجتمعات، التي تدعي لنفسها المدنية والتقدم، فبينما هي لا زالت تبحث وتلهث وراء ذلك الحق، نجد الإسلام قد وفره للمرأة المسلمة منذ بزوغ فجر الإسلام، مع غيره من الحقوق التي تكفل لها قيمتها الإنسانية، وقيمتها الاقتصادية والاجتماعية، فتعالين الآن نستمع لتلك الآيات من القرآن الكريم:
·      قال تعالى: ( وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ
نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)(1) النساء – 32 –
·   وقال جل شأنه (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ(2) الحديد – 18 –
·   وقال جل وعلا: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) (3) آل عمران – 195 – 
ثم تعالين نستمع لتلك الأقول للرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم –
§   قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: ( يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن فإنكن أكثر أهل النار يوم القيامة) (4) البخاري 2/150 مسلم 7/87
§   وقوله – صلى الله عليه وسلم - للنساء لما ذهبت لمبايعته – عليه السلام – فأوصاهن بإعطاء المسكين قائلا: ( يا أم بجيد ضعي في يد المسكين ولو ظلفا محرقا )
§   قوله – صلى الله عليه وسلم – لنسائه أمهات المؤمنين: ( أسرعكن بي لحوقا بيَّ أطولكن يدا) (5) مسلم 2452

فمن سياق الآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة، وبخاصة طلب الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – من النساء ضرورة الصدقة، يتضح لنا جواز عمل المرأة لكي تحصل على ما يمكنها التصدق به.
هذا وسبق أن أوضحنا عند حديثنا عن الأهلية التامة، أن الإسلام قد أعطى للمرأة أهلية تامة في كل شئ يتعلق بها، هذا بخلاف ما ثُبت صحته من أن العديد من النساء كن صاحبات أعمال وتجارة وصناعة في عهده – صلى الله عليه وسلم – ولم يُنكر عليهن ذلك مثل:
·   أم المؤمنين/ زينب بنت جحش – رضي الله عنها -: كانت تدبغ الجلود، وتخرزها وتبيعها وتتصدق بثمنها على المساكين، ولذا فازت بأنها صاحبة اليد الطويلة، ولحقت به – صلى الله عليه وسلم – بعد موته، وأنه – صلى الله عليه وسلم – لم يُنكر عليها ذلك.
·   أم المؤمنين/ عائشة بنت الصديق- رضي الله عنهما - كانت تقول: الغزل في يد المرأة أحسن من الرمح بيد المجاهدين في سبيل الله.
·   كما أن منهن منْ برع في مجال الطب والتمريض، فكن يعالجن المريض، ويداوين الجرحى، ولم يعترض – صلى الله عليه وسلم – على ذلك، بل كان يثن عليهن وعلى صنيعهن من أمثال: أم سليم وأم عطية ورُفيدة الأنصارية – رضي الله عنهن – وغيرهن كثيرات، بل من النساء منْ حمل السلاح، وقاتل جنبا إلى جنبه – صلى الله عليه وسلم – ولم يعترض على ذلك مثل: نُسيبة بنت كعب وغيرها ممن حفلت بهن كُتب السيرة.

أبعد ذلك يمكن القول بأن الإسلام وقف حائلا بين المرأة وبين العمل والتكسب؟!!!                                                                                             

*********************************************************************************




الباب الثالث: الإسلام والمرأة
ثالثا: المساواة بين الرجل والمرأة:
(7) القضاء:
 قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(1) المائدة – 8 –
 اختلف الفقهاء حول جواز تولي المرأة أمر القضاء وذلك على النحو التالي:
- يرى الإمام مالك والشافعي وابن حنبل عدم جواز تولي المرأة القضاء، نظرا لنقص المرأة والنساء عامة عن رتب الولايات.
- الإمام أبو حنيفة أجاز قضاء المرأة في الأموال.
- الإمام الطبري يرى جواز حكم المرأة  وقضائها في كل شئ سواء كانت الأموال أو غيرها على اعتبار أن الأصل هو: أن كل منْ يستطيع الفصل بين النساء فحكمه جائز، إلا ما خصصه الإجماع من الأمانة الكبرى أو رياسة الدولة (2) المرأة في جميع الأديان والعصور: محمد عبد المقصود ص 80








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق