السبت، 2 مارس 2013

ثانيا: أسباب خروج المرأة للعمل:(7) بقاء المرأة في المنزل:رابعا: مآخذ أعداء الإسلام بشأن المرأة:الباب الثالث: الإسلام والمرأة



الباب الثالث: الإسلام والمرأة
رابعا: مآخذ أعداء الإسلام بشأن المرأة:
(7) بقاء المرأة في المنزل:
ثانيا: أسباب خروج المرأة للعمل:
توطئة:
لقد ذكرت الآيات مراحل خلق آدم – عليه السلام فقال تعالى أن آدم  خُلق من تراب، فقد قال تعالى: [إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ] (1)
وأنه قد خُلق من طين لازب قال تعالى: [وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا] (2)
وأنه قد خُلق من حمأ مسنون قال – جل وعلا شأنه – [وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ] (3)
وبتدبر تلك الآيات ندرك أن جسد أدم عليه السلام قد مر بعدة مراحل قبل دخول الروح فيه فقد خلق – الحق تبارك وتعالى –آدم عليه السلام من: تراب ثم تحول إلى طينا لازب ثم تحول إلى حمأ مسنون، ثم صار صلصالا كالفخار.
أما عن خلق حواء فقال تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا] (4)
يقول الله – تعالى – آمراً خلقه بتقواه، وهي عبادته وحده لا شريك له، ومنبها لهم على قدرته التي خلقهم بها من نفس واحدة، وهي آدم – عليه السلام – ( وخلق منها زوجها ) وهي حواء – عليها السلام – خلقت من ضلعه الأيسر من خلفه، وهو نائم، فاستيقظ فرآها فأعجبته، فأنس إليها، وأنست إليه.
قال ابن عباس:
( خلقت المرأة من الرجل، فجًعلت نهمتها فيه، وخلق الرجل من الأرض فجًعل نهمته في الأرض، فاحبسوا نسائكم) (5)
قال تعالى: [وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ](6)  
إذا ما تدبرنا تلك الآيات لأدركنا عدد من الحقائق  الثابتة التي لا لبس فيها وهي أن:
- أن الغاية من خلق آدم وحواء – عليهما السلام – هي عبادة الله من خلال التزام أوامره و اجتناب نواهيه في اعمار الكون
- أن آدم – عليه السلام – قد خُلق من التراب.
- أن حواء – عليها السلام – قد خُلقت من أحد أضلع آدم.
وهنا نسأل لماذا لم يخلق الحق – تبارك وتعالى – حواء – عليها السلام – من تراب كما خلق آدم – عليه السلام – من تراب ؟!
والإجابة على هذا السؤال لا تحتاج إلى عناء في التفكير، ولا طول بحث، فآدم وحواء – عليهما السلام – منوط بهما عمارة الكون علاوة على طاعة الله – جل في علاه – وهذا الهدف من خلقهما يجعل العلاقة بينهما لابد وأن تتصف بالاتفاق لا الاختلاف، ومن ثمة لابد أن يكون أحدهما خاضعا للآخر حتى يحدث الاتفاق ويتلاشى الشقاق، ولذا تم خلق آدم من التراب، وخلق حواء من أحد أضلع آدم لتكون العلاقة بينهما هي علاقة الكل  - آدم – بالجزء – حواء – فالكل مهما بلغت قوته لا يقسو على الجزء منه، كما أن الجزء مهما بلغت استقلاليته فهو دائما يحنى إلى الكل الذي ينتسب إليه، لذا نجد الرجل مهما بلغ جبروته وبطشه في التعامل مع غيره من الرجال، نجد أن حاله هذا يتغير في تعامله مع المرأة لأنها جزء منه، ونجد المرأة مهما بلغت من استقلال وقوة في التعامل مع غيرها من النساء نرى حالها هذا يتبدل إذا ما تعاملت مع الرجل فنجد منها الحنان والمودة لأنها جزء منه.
فالمرأة وهي في ذروة قوتها، وفي عنوان استقلالها تتبدل طبيعتها بين أحضان زوج يحتويها بدفء عاطفته الصادقة، وحنانه الخالص، و الرجل وسط كل ما يعتريه من تعب وإرهاق وكبد ومشقة في الحياة يتلاشى عنه ومنه كل ذلك في أحضان زوجة تحوطه بالحنان والمودة لذلك  وصف الحق – تبارك وتعالى – تلك العلاقة بعد أن تحدث عن خلق حواء من جزء من آدم فقد وصف تلك العلاقة الزوجية بالسكن أي الطمأنينة والراحة الجسدية، وبالمودة والرحمة أي الطمأنينة والراحة النفسية فقال تعالى { خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً }فكأن كل زوجة بعد الزواج أصبحت في نفسها وروحها جزء من زوجها، كما جاء جسد حواء كجزء من جسد آدم، ومن خلال عطف الكل آدم على الجزء حواء، ومن خلال حنين وشوق الجزء حواء إلى الكل آدم تستقيم الحياة من خلال الاتفاق بينهما ومن ثمة يسهل عمارة الكون جنبا إلى جنب مع طاعة الله – سبحانه وتعالى -
أما إذا تم خلق حواء –  عليها السلام – من التراب كآدم – عليه السلام – لكانت العلاقة بينهما علاقة الكل بالكل، والند بالند، وهنا يقل الاتفاق ويكثُر الخلاف، فتفسد الحياة، و تسوء العبادة ومن ثمة لا يتحقق الهدف المرجو من خلق كل من: آدم وحواء – عليهما السلام – فالمركب ذات الرئيسين تغرق، والأرض ذات الملكين المتساويين في كل شيء تحترق بهما.
فالله - سبحانه – قد خلق كل من:الرجل والمرأة وهيأ كل واحد منهما لعمل يناسبه، وقد قسم الله تعالى المسئوليات بينهما، وكذلك لكل منهما رسالته، وفق مقدرته التي خلقه الله عليها،  فرسالة الرجل السعي والعمل وجمع المال لحاجة الأسرة، والمرأة مكلفة  برعاية الزوج، وتربية الأولاد، وهذه أقدس رسالة فهي تعد رجال السياسة ورجال الدولة، ورجال التعليم ورجال ..... كما تعد أمهات المستقبل الصالحات .
فرسالة المرأة في بيتها واجب من أقدس الواجبات إن لم يكن أقدس الواجبات التي كلفها الله - سبحانه وتعالى - بها فلا يجوز إهمالها له، وهي مسئولة عنها مسئولية كاملة أمام ربها مسئولة عن أطفالها، عن إطعامهم عن تربيتهم عن صحتهم عن تأديبهم وتوجيههم .
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال :قال – صلى الله عليه وسلم – (  كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها) ( 7)، ورحم الله شاعر النيل حافظ إبراهيم حين قال :
       الأم مدرسة إذا أعددتها                أعددت شعباً طيب الأعراق
 فعمل المرأة داخل بيتها لا يستطيع أن يقوم به أحد من الرجال،مهما بلغت قوته وعزيمته،  لأنها مُنحت في طبيعتها الجسدية والروحية ما يؤهلها للقيام بتلك الوظيفة،  فلا يجوز أن يشغلها عن وظيفتها تلك  شاغل مادي أو أدبي مهما كان، وعملها هذا يتوقف عليه مستقبل الأمة، والجيل فهي راعية  الثروة البشرية ( 8 )، فإذا تعارض عمل المرأة مع مهمتها الأساسية التي خلقت لأجلها وكلفها الله بها، وهي الاهتمام ببيتها بالإنجاب والتربية والزوج، فإن عليها أن تضحي بعملها خارج البيت لأداء هذه المهمة الصعبة، والتي خطرها أعظم، وفوائدها وآثارها أجل وأفدح  (وكفى بالمرء إثماً أن يضيع منْ يقوت) (9)
فإذا أرادت المرأة أن تعمل فينبغي  أن يكون العمل مناسباً لتكوينها الجسدي، وطبيعتها النفسية، وقدراتها التي منحها الله إياها،فلا يستطيع أحد أن يُنكر الفوارق الجسمية والعقلية والعاطفية، وكذلك القدرات بين النساء والرجال، وهي فوارق ليست لتمييز طرف على طرف، وإنما تتناسب مع مهمة كل طرف في الحياة.
 
فالله سبحانه وتعالى هيأ جسد المرأة للحمل والميلاد، وحباها عاطفة جياشة، وحناناً ورحمة للأطفال،: وجسداً لا يقوى على الأعمال الصعبة والشاقة، وهذا الأمر منذ خلق الله تعالى آدم وحواء، قال تعالى{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ } * { فَقُلْنَا يآءَادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ }{ إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ } * { وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ }(10)
فانظر إلى قوله تعالى {فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا}فالأمر لآدم وحواء بالحرص على عدم الإخراج من الجنة، ومخالفة الشيطان، والحرص على الطاعات، وقال لآدم :(فتشقى) ولم يقل فتشقيا لأن الشقاء على آدم وحده في طلب الرزق وتوفير احتياجات المرأة .
لذلك لا يجوز للمرأة أن تعمل في الأعمال الشاقة، وإن كان العمل يجني ريعاً كبيراً فلا يجوز أن تعمل في الحدادة أو المناجم والمحاجر ومصانع المفرقعات، ولا يجوز لها أن تعمل في الأعمال الثقيلة ( 11 ) وكذلك لا يجوز للمرأة أن تقوم بالأعمال التي فيها مخاطرة على ( نفسها أو جنينها، ولا يجوز لها أن تعمل في أعمال بناء البيوت أو الجيش ( 12)
فإن هذه الأعمال تكسب المرأة الخشونة والشدة وتضعف أنوثة المرأة وتقلل ميل الزوج نحوها، إذ طبيعة المرأة الميل إلى النعومة والرقة والانقياد للزوج .فلا بد للمرأة إذا احتاجت للعمل أن تراعي ذلك .

تغيرات الحياة وأسباب خروج المرأة للعمل:
شاءت إرادة الله – جل في علاه – أن يُناط بالرجل منذ بدء الخليقة السعي والعمل والكد خارج المنزل، وذلك وفق طبيعته التي خلقه الله عليها، ووفق مهمته التي خُلق من أجلها، وعلى الجانب الآخر كان على المرأة هي الأخرى أن تكد وتعمل ولكن داخل منزلها، وذلك وفق طبيعتها التي خلقها الله عليه، ووفق مهمتها التي خُلقت من أجلها. فقد كانت الأمم عبر التاريخ البشري تعيش حياتها كما فطرها الله تعالى، الكل فيها  يعرف احتياجاته واختصاصه،ولا يخرجوا عن هذا الناموس إلا في حالة الشذوذ أو الطوارئ أو الضرورات والحاجات .
فوقع على الرجل مهمة الكسب وتوفير المعاش لأسرته من مسكن ومأكل وملبس، ووقع على المرأة مهمة تهيئت بيتها ونفسها لراحة زوجها وأبنائها، يأوي الرجل إلى بيته ليجد السكن والمودة والرحمة والراحة بعد يوم قضاه في العمل، وكان الأطفال كلٌ يهيئ أُسرياً إلى الواجبات التي تُناط به، فالذكور يهيئون للرجولة ومسئولياتها،والإناث يهيئون للأمومة ومسئولياتها حتى أثناء لعبهم ولهوهم، حتى جاءت الثورة الصناعية ( 13) التي عصفت بأوروبا فرفعت المجتمع ثم ألقته في الحضيض وكان نتيجة ذلك فشل الأسرة والمجتمع، وشيوع الأنانية و اللامسئولية مما حدا بكل فرد من أفراد الأسرة السعي لكسب قوته، وتحقيق رغباته وشهواته، والمرأة بطبيعة تكوينها الجسدي لا تقوى في العموم على الكسب غالباً فتضطر باختيارها أن تكون سلعة رخيصة تعرض نفسها باختيارها لكل إنسان حيواني لتكون له متعة ونزوة يقضي فيها لا معها حاجته ثم يلقيها إلى قارعة الطريق .
 لقد كان من أفظع نتائج الحرب العالمية خطراً قتل ما يقدر على الأقل بعشرة ملايين شاب من أوروبا وأمريكا في ميدان القتال فنتج عن ذلك مجموعة من النتائج الخطيرة، لقد وجدت ملايين الأسر نفسها بلا عائل،فقد يُتِّم الأطفال ورُملت النساء، وخرجت أعداد كبيرة من الشباب المشوهين والعاجزين عن العمل، وأعداد كبيرة ( فقدوا عقولهم من أثر الغازات المدمرة وحياة الخنادق (14)
فوجدت المرأة في الغرب نفسها مضطرة إلى الخروج إلى العمل خارج البيت لتكسب قوتها وقوت عيالها تبيع نفسها بثمن بخس، وأن تشتغل في الأعمال التي تستغل فيها أنوثتها، رغم أن المرأة العاملة تعانى أشد المعاناة في تربية أولادها وهذا ما نشاهده ونحسه جميعاً عند خروجها لعملها فهي تذهب برضيعها إلى أمها أو أم زوجها أو إلى الدور المختصة برعاية الأطفال . وكل هؤلاء لا يعوض أيهم قطرة من حنان الأم ورعايتها وكم رأينا أطفالاً تشردوا ؛ بسبب تخلى الأم عن تربيتهم بخروجها لعمل لم
يوفر لها كثيراً من النفع أو العائد المادي ! وهل يستطيع أي شيء تعويض الحرمان من عاطفة الأمومة ولو لوقت قصير ؟ إنه اليتم الاجتماعي ورحم الله أمير الشعراء عندما قال :
ليس اليتيم من انتهى أبواه * من هم الحياة وخلفاه ذليلاً
إن اليتيم هو الذي تلقى له * أما تخلت أو أبا مشغولاً


(أ) أسباب خروج المرأة للعمل في الغرب:
فالمرأة في الغرب لم تخرج للعمل بمحض وإرادتها، أو بحثا عن إثبات ذاتها واستقلالها، أو للتخلص من وقت فراغها، وإنما كانت هناك أسباب عدة أجبرتها و دفعتها  نحو المصنع والمتجر والشارع وفي أغلب الأحيان نحو الخمارة والملهي يستوي في ذلك المرأة التي لها عائل من زوج وأب، الذين يجب عليهم الإنفاق عليها في ظل المنطق السليم ، والمرأة التي لا عائل لها.
ومن هذه الأسباب: (15)
١- إن القوانين الغربية لا تلزم الأب بالنفقة على ابنته إذا بلغت ثمانية عشر عاماً، لذا هي ملزمة بالعمل والإنفاق على نفسها ( 16)، ووالدها يدفعها إلى الشارع أحياناً لتحضر أجرة الغرفة التي تسكنها .
٢- إن الناس في الغرب ذكوراً وإناثاً يعيشون لشهواتهم ، لذا فإن الرجل يريد المرأة في كل مكان وهي كذلك،لذا نجد المرأة عندهم مُسخرة للشهوة في العمل، في الشارع، في البيت، في المتنزهات، في المقاهي، في الفنادق . يريدونها عارية في الأفلام، في الصور، في الإعلانات، في دور البغاء .
٣- لقد خيم البخل والأنانية في الغرب حتى قالوا : كيف ننفق على من لا يعمل؟! ولا يرون تربية الأولاد عملاً هاماً، كما أنهم لا يبالون بدين أو خلق .
٤- الضعف الجنسي والعجز الجنسي يصيب الرجل في الغرب من سن مبكرة حيث استفرغت الطاقة مبكراً دون ضوابط، فتضطر المرأة للعمل لتغري الرجل بحالها ومالها حتى يقبل عليها وهذا يدفعها إلى العمل .

يقول الدكتور مصطفى السباعي: -
"حين كنت في لندن 1956م سألني أحد الأساتذة الانجليز: ما هو موقف الإسلام من الحضارة الغربية؟ فأجبته: نأخذ أحسن ما فيها، ونترك أسوأ ما فيها، قال: إن هذا غير ممكن، فالحضارة لا تتجزأ، إننا في أوروبا منذ بدأ عندنا عصر التصنيع بدأ تفكك الأسرة، لأن المرأة تشتغل في المعامل، وهذا أمر لابد منه، ومن هنا تفككت الأسرة، فأجبته: بأن تفكك الأسرة عندكم ليس راجعاً في رأيي إلى التصنيع، بل ناشئ من إخراج المرأة من بيتها، وأنتم الغربيين أخرجتموها لباعثين: الأول: نفسي وهو رغبتكم في أن تروا المرأة بجانبكم في كل مكان، في الترام وفي الطريق، وفي المتجر وفي المطعم، وفي المكتب في دواوين الدولة، والثاني: مادي أناني، وهو أنكم لا تريدون أن تتحملوا نفقات المرأة من بنت أو زوجة أو أم، فأجبرتموها على العمل لتعيل نفسها بنفسها، فاضطرت لمغادرة البيت، ومن هنا تفككت الأسرة عندكم، قال: وأنتم ماذا تفعلون في مثل هذه المشكلة؟
قلت: إن نظام النفقات في الإسلام يجبر الأب على الإنفاق على ابنته حتى تتزوج، فإذا تزوجت كانت نفقتها ونفقة أولادها على الزوج وحده، فإذا مات زوجها ولم يكن لها مال، ولا ولد فنفقتها على والدها، وهكذا.
إنها لا تجد نفسها في فترة من فترات حياتها في الغالب محتاجة إلى أن تدخل المعمل لتأكل وتعيش.
وهنا قال صاحبي متعجباً: نحن الغربيين لا نستطيع أن نتحمل مثل هذه التضحيات". (17)
ونتيجة لما سبق اضطرت المرأة للخروج من بيتها وفطرتها تاركة عشها الهادئ المناسب لطبيعتها، خرجت لتبحث عن قوتها ونفقتها، ولو كان لها أب وأم فهي مضطرة لذلك لأنها مطالبة بإيجار البيت وسداد فواتير الماء والكهرباء والهاتف والتغذية، ولو كانت عند والديها مادام أنها بلغت سن الثامنة عشرة، واضطرت المرأة أيضاً أن تزاول أي عمل مهما كان، ولو كان منافياً لطبيعتها وأنوثتها وحيائها، لأن حاجتها للمال دفعها إلى ذلك، حتى أصبح من الصعوبة بمكان أن تعود إلى البيت وتستقر فيه.
إن العمل الفطري للمرأة داخل بيتها، هو الوظيفة التي عرفت قديما وما زالت المرأة مُطالبة بأدائها على اعتبار أنها الوظيفة الطبيعية الفطرية التي جبلت عليها، وعلى اعتبار أيضاً أنها وظيفتها الأساسية، في حين "أن عملها خارج البيت هو استثناء من الأصل الذي يقضي بمقامها في بيتها للتصدي للرسالة المقدسة، والوظيفة الخطيرة التي كلفت بحملها" (18)
(ب) أسباب خروج المرأة لعمل في بلادنا الإسلامية:
تزايدت في الآونة الأخيرة نسبة النساء العاملات تماشياً مع متطلبات العصر الحديث، حيث إن العمل أصبح من أوليات الأمور التي تفكر بها المرأة بغرض تحقيق الكثير من مطالب الحياة المستجدة، في حين أن هذا الأمر لم يكن منتشراً من قبل بصورة كبيرة، إذ كان عمل المرأة الأول هو رعايتها لأولادها وشؤون بيتها، هذه الوظيفة الفطرية، وأما عملها خارج البيت فلم يكن إلا لضرورة قصوى تلبية لاحتياجات الأسرة المتزايدة أو في ظل غياب المعيل.
 أما اليوم فلم يعد العمل مجرد مسألة عول بل أصبح من أولويات حياة المرأة، خاصة بعد التخرج من الجامعة، ولأن هدف الخروج للعمل والغاية منه تغيرت بتغير الزمن، فإن النساء العاملات أصبحن لا يستغنين عنه أبداً، لأنه وسيلة لتحقيق الذات، وكسب المال، وتوسيع نطاق العلاقات الاجتماعية، هذه الأخيرة التي قد تؤثر في بعض الأحايين على علاقة المرأة مع زوجها، خاصة إذا انفتحت المرأة العاملة في علاقاتها مع الرجال من زملائها في أماكن العمل المغلقة، وما ينتج عنه من الاختلاط والخلوة.
 حيث تدور حول عمل المرأة خارج البيت كثير من المغالطات والخلل في الكيفية التي يسير عليها، الأمر الذي يعود بالأثر السيئ على استقرار بيت الزوجية، سواء في العلاقة العاطفية بين الزوجين، أو من ناحية اهتمام ورعاية الأم العاملة لأولادها، وقد تزداد المشكلة تعقيداً لتصل حد الطلاق وانحلال مؤسسة الأسرة، فيضيع الأولاد بين سؤال لا يجد له القضاء حلاً عملياً: من الحاضن؟ ويبحث الزوج عن امرأة أخرى تعطيه الاستقرار المفقود.(19)
 غير أن تداعيات التطور الحادث في المجتمع كان له الأثر البارز في خروج المرأة للعمل، فبعد أن كان هذا الخروج مقترناً بالضرورة والحاجة الداعية إليه عند فقد المعيل ورب الأسرة، أصبح في الوقت الحاضر هو نفسه الضرورة، خاصة بعد أخذ المرأة كفايتها وحظها من التعليم، والتعليم العالي بالخصوص، وبعد أن أصبح التعليم إلزامياً، "فحصول النساء على مؤهل علمي قد أدى إلى تحسين فرص التوظيف لهن"(20)، وهذا هو السبب الأول الداعي لعمل المرأة.
أما السبب الثاني فهو غلاء المعيشة الذي استلزم عمل الزوجين معاً لأجل تدبير أمور الحياة المعيشية لهما ولأبنائهما، ولعائلتيهما (والديهما) من ذوي الدخل المنخفض، وهذا العمل بدوره يساعد المرأة على الاشتراك والانخراط في الجمعيات التعاونية بمقدار مالي محدد لكل شهر، وهو الأمر الذي يساعدها في التوفير بطريق غير مباشر لصرفه في الوقت المناسب، وفي هذا المجال أصبح العمل ضرورة ملحة يقتضيها هذا الزمن.
وقد أقام قسم استقصاء السكان والأسرة بماليزيا بحثاً عن كيفية إيجاد فرص العمل ومجالاتها، ومن أهم النتائج التي توصل إليها هذا البحث أن أكثر النساء الماليزيات يدخلن سوق العمل سواء قبل أو بعد الزواج بناء على دواعي مادية، وهذا يتضح حينما نعلم أن أكثر النساء غير المتزوجات يعملن أساساً لمساعدة أُسرهن خاصة عند فقد العائل أو عجزه، أما المتزوجات فأكثرهن يعملن ليحصلن على زيادة في دخل الأسرة(21)
وأما السبب الثالث فيتمثل في دور المؤسسات السياسية والاقتصادية التي كفلت فرص العمل، والدعوة إلى خروج المرأة للعمل بغرض ترقية مستواها ومساهمتها في التنمية الاقتصادية لبلدها. فبالنسبة للنموذج الماليزي هنا، وحسب التعداد السكاني لعام 2000م فإن الكثافة السكانية كانت قرابة 23 مليون نسمة. ومعدل النساء يقارب 50% أي حوالي نصف السكان، "فالنساء هن المصادر البشرية للبلد، وبإمكاننا وعلينا الاعتماد على الطاقة النسوية لمؤازرة الدولة لتصبح صناعية ومتطورة"(22) 
 وقد توجد أسباب أخرى غير مباشرة أو أسباب ثانوية تستدعي خروج المرأة للعمل مثل الإحساس بالملل والكآبة داخل البيت! خاصة وإذا كانت المرأة قد أخذت قسطا عاليا من الدراسة والتكوين المهني، فترى أن الزواج وإنجاب الأولاد قد حطم مستقبلها وضيّع آمالها في تحقيق طموحاتها في أن تكون مدرسة أو مهندسة أو طبيبة أو موظفة، وتنسى أو تتجاهل أن تعليمها لم يكن المقصد الأساس منه هو التوظيف، إنما المقصود منه تثقيف المرأة وتوعيتها لأجل أداء دورها الفطري وهو تربية الأولاد بغرض إنتاج جيل واع! "ولكن الصناعة والتعليم الأفضل والمؤهلات سحبت المرأة لمشاركة القوى العالمة، ولهذا تأثير على الحياة الأسرية"(23)
المراجع:
1)     {آل عمران:59}
2)   {الإسراء:61}
3)  {الحجر:26}
4)    {النساء:1}
5)    تفسير ابن كثير ج 1 ص 424
6)   {الرُّوم:21}
7)  أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن، حديث رقم ٨٩٣ ، عمدة القاري للعيني، ٥/ 42
8)  فتاوى للمرأة المسلمة للقرضاوي، ص ١٠٣ ، الداعية زينب الغزالي، إعداد ابن الهاشمي، دار الاعتصام، القاهرة، . ١٩٨٩ م، ص ٣٩ ، حقوق المرأة المدنية والسياسية في الإسلام، د. محمد أبو فارس، ص 19
9)  أخرجه أبو داود في سننه، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار الفكر، رقم الحديث  ١٦٩٢ ، 1/٥٢٩ ، وحسنه الألباني.
10) سورة طه : ١١٧ – 119
11) مجلة مؤتة للبحوث، ج ١٥ ، عدد ١، سنة ٢٠٠٠ ، بحث لأحمد محمد السعد، وياسر عبد الكريم الحوراني، ص ١٩ ، مجلة الأزهر، مصر، ج ٩، سنة ٦٧ ، فبراير ١٩٩٥ م، مقال للدكتورة زينب صالح الأشوح، ص ١٢
12)             مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة السنة ١١ عدد الأول رمضان ١٣٩٨ ه، من مقال لعبد العزيز بن باز، ص ١87
13)            مجلة رسالة الخليج العربي، تصدر عن مكتب التربية العربي لدول الخليج في الرياض، عدد ٣٣ ، السنة العاشرة، ١٤١٠ ه- - ١٩٩٠ م، ص   6 – 7 بحث للسيد أحمد المخزنجي
14)            مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، عدد ( ١) السنة الثانية رجب ١٣٨٩ ه، ص ٥٧ ، من مقال للشيخ إبراهيم السلقيني .
15)                         المرأة المسلمة، وهبي سليمان عاوجي الألباني، ص 236 – 237
16)             المرأة بين الفقه والقانون، مصطفى السباعي، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، ط ٥، ص ١٧
17)                       المرأة بين الفقة والقانون 120.
18)            محمد عقلة، نظام الأسرة في الإسلام، (عمان: مؤسسة الرسالة الحديثة، ط2، 1420هـ/2000م )، ج2/ ص277.
19)            أثر عمل المرأة خارج البيت على استقرار بيت الزوجية - ماليزيا نموذجاً (1/2) د. فريدة صادق زوزو
20)             نور الفضيلة بنت عبد الرحمن، عمل المرأة بين الفقه الإسلامي والقانون الماليزي، رسالة ماجستير غير منشورة، أكتوبر 2003م، الجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا، ص53.
21)            وفي أهم دوافع عمل المرأة الماليزية كتب الأستاذ عبد الحميد أرشاد ورقة عمل بعنوان: "المرأة وتقدم البلاد"، قدمت لمؤتمر"المرأة، الأسرة والعمل" الذي أقامته جامعة ملايا، 9 يونيو 1988م. بحيث قسّم دوافع عمل المرأة إلى قسمين اعتبارا بدوافع المرأة المتزوجة، ثم دوافع المرأة العازبة أو الفتاة، وجملة الأسباب والدوافع كانت 14 دافعا حسب الباحث،ص8-10.
22)            أ/د خليجة محمد صالح، دور المرأة المسلمة في مواجهة تحديات العولمة، ورقة العمل رقم 15 في ملتقى العلماء العالمي، (بوترا جايا، 10-12 يوليو 2003م)، ص4.
23)                      خليجة، ص5.
وانظر أيضا:
-   مهـــددات الأســرة المعاصــرة (وجهة نظر إسلامية في التكوين والعلائق والآثار التربوية)د. فاطمة عبد الرحمن عبد الله
-   عمَل اُلمرأة بِين تكريم اِلإسلامِ ودعاة اِلتحرير وِالبهتانِ د. محمود يوسف الشوبكي ،د. سعد عبد الله عاشور الأستاذان  المشاركان  بكلية أصول الدين الجامعة الإسلامية – غزة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق