(16) وأد
البنات ما بين العصر الجاهلي في الماضي والعصر المتقدم في الحاضر:
من فوق الثرى يخترق
صوتُها أعماق الكون؛ لسان حالها يردّد "بأيِّ ذنبٍ قُتلت".. صرخاتُ زهرةٍ يانعة ذَبُلَتْ قبل
أوانها، وأنينُ شمسٍ غَرُبَتْ في مقتبل عمرها.. إنها
موءُودة العصر الجاهلي
التي اغتالتها موروثاتٌ
بائدة؛ جثمت على الفكر الذكوري
عقوداً من الزمن، والتي صنفت "الأنثى" على أنها عارٌ يجب التخلُّص منه حتى يعيش الرجل حياةً
طاهرةً نقيّةً بعيداً عن "فضيحة الأنثى"
(أ)
وأد البنات في العصر الجاهلي:
الوأد:هو دفن الإنسان
حياً وكانت عادة الوأد من العادات التي يمارسها العرب
في فترة ما قبل الإسلام، وبمقارنتها بقوانين حماية الإنسان في
هذه الأيام فإنها تعتبر من أقصى أنواع الظلم والطغيان، فلقد خلق الله – تعالى - الذكر والأنثى وجعل كلا منهم مكملاً للآخر، فالرجل لطلب الرزق والمرأة للولادة وتربية الأولاد، ولما كان الذكور
يمتازون على الإناث بالقوة العضلية،
التي تؤهلهم لكسب المال والدفاع عن القبيلة فقد كان الكثير من الناس منذ القديم
يقتلون الأطفال الإناث خوفاً من الفقر والعار، أما الذكور فقد كانوا يعاملوا
معاملة جيدة فهم يحمون القبيلة ويأتون بالمال وكان العرب في الجاهلية يقتلون
البنات وقد أصطلح على ذلك بوأد البنات، قال
الله - تعالى - في حق من يفعل
ذلك:(وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ
كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ
عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)(59)[سورة
النحل].
بداية و تاريخ الوأد في الجاهلية:
· يختلف الباحثين حول تاريخ الوأد لكن معظمهم يرجعها لغزوة النعمان بن المنذر ملك الحيرة على قبيلة بني تميم حين أخذ سبايا قبيلة عربية و من بين السبايا كانت ابنة قيس ابن عاصم و حين خير النعمان السبايا بحرية العودة و تحريرهم ففضلت ابنة قيس بن عاصم البقاء عند منْ سباها، و لم تعد لزوجها، فأقسم بوأد كل بنت تلدها زوجته.
· و هناك رواية ثانية تقول أن الوأد بدأ عند قبيلة ربيعة حيث روي أن كانت إحدى السبايا ابنة أمير من قبيلة ربعة بعد الصلح فضلت سابيها على أبيها لكن من المتفق عليه أن بني تميم و بني كندة و بني ربيعة كانوا من القبائل التي انتشر فيها وأد البنات حيث الكثير من الباحثين يشككون بان وأد البنات كان عاما و ذلك لأنه قبل الإسلام كان الرجل يتزوج عشر نساء و ليس فقط أربع و لو كان وأد البنات في كل القبائل لما بقي هناك جنس عربي حسب رأيهم.
بأي ذنب قُتلت
كيفية وأد البنات في الجاهلية:
· يروي لنا ابن عباس – رضي الله عنه – طريقة من طرق وأد البنات
في الجاهلية فيقول: أن الحوامل إذا قاربت ولادتها، حفرت حفرة، فمخضت على رأسها، فإذا كان المولود أنثى، قذفت بها إلى الحفرة، وإذا كان المولود ذكراً استبقته في حنان وعزة.
· كما كانت هناك طريقة أخرى للوأد وهي: أن الرجل يترك البنت حتى السادسة من عمرها،فإن أراد التخلص منها، قال لأمها: طيبيها وزينيها، حتى أذهب بها إلى أحمائها، ثم يذهب بها إلى بئر حفرها في الصحراء، ويقول لها انظري في هذه البئر، ثم يأتي من خلفها ويدفعها في البئر، ويهيل عليها التراب حتى تستوي البئر بالأرض، وهكذا كان حال هذه البريئة، تُقتل على هذه الصورة البشعة الخالية من كل خصائص الرحمة؟! فلماذا كانت تُقتل؟!
صراع لا ينتهي لا ذنب لي فيه:يبدد احلامي يجرني الي بئر عميق حالك الظلمة قلبي الصغير يرتجف
·
روي أن رجلاً من أصحاب النبي (ص) وكان لا يزال مغتماً
بين يدي رسول الله (ص) فقال له رسول الله (ص): ما لك تكون محزوناً؟ فقال: يا
رسول الله إني أذنبت ذنباً في الجاهلية فأخاف ألا يغفره الله لي وإن أسلمت، فقال له: أخبرني عن ذنبك؟ فقال: يا
رسول الله، إني كنت من الذين يقتلون بناتهم، فولدت لي بنت فتشفعت إلي امرأتي أن أتركها فتركتها حتى
كبرت وأدركت، وصارت من أجمل النساء فخطبوها، فدخلتني الحمية، ولم يحتمل قلبي أن أزوجها أو أتركها في البيت بغير زواج،
فقلت للمرأة إني أريد أن أذهب إلى قبيلة كذا وكذا في زيارة أقربائي فابعثيها معي ، فسرت بذلك،
وزينتها بالثياب والحلي، وأخذت علي المواثيق بألا أخونها، فذهبت إلى رأس بئر فنظرت في البئر، ففطنت الجارية أني أريد أن ألقيها
في البئر فالتزمتني وجعلت تبكي وتقول: يا أبت إيش تريد أن تفعل بي؟ فرحمتها، ثم نظرت في البئر فدخلت
عليّ الحمية، ثم التزمتني وجعلت تقول: يا أبت لا تضيع أمانة أمي! فجعلت مرة أنظر في البئر ومرة أنظر إليها فأرحمها،
حتى غلبني الشيطان فأخذتها وألقيتها في البئر منكوسة، وهي تنادي في البئر: يا أبت قتلتني؟! ومكثت هناك
حتى انقطع صوتها فرجعت.
فبكى رسول الله (ص) وأصحابه، وقال: لو أُمرت
أن أعاقب أحداً بما فعل في الجاهلية لعاقبتك.
الفقر
أسباب وأد البنات في الجاهلية
يرجع وأد البنات إلى عدة أسباب نجملها فيما يلي:
(1) العامل الإقتصادي:
قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْـٔ ا كَبِيرًا ) سورة الإسراء: - 31 - توضح تلك الأية الكريمة أن من بين عادات العرب الجاهلية قتل الأبناء خشية الفقر والفاقة، ذلك أن طبيعة البيئة العربية، وطبيعة حياة العرب القائمة على الرعي، والتنقل خلف العشب والكلأ، علاوة على شظف الحياة، الذي كانت تعاني منه جموعهم، كل هذه الأمور كانت دافعهم إلى التخلص من البنات فور ولادتهن.
فقد ذكر بعض المؤرخين أن سنين شديدة كانت تنزل بالناس تكون قاسية على أكثرهم ولا سيما على الفقراء، فيأكلون (العلهز) وهو الوبر بالدم، وذلك من شدة الجوع، وبهذا الفقر وهذه الفاقة وذلك الاملاق، كل هذا حملهم على وأد البنات حذر الوقوع في الغواية
(2) خشية زواجهن بغير الأكفاء:
يتضح ذلك من قيس بن عاصم حيث قدم إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – واعترف له – صلى الله عليه وسلم – بأنه ما ولدت له بنت إلا ووأدها، فسأله أحد المهاجرين عن سبب ذلك قائلا: فما الذي حملك على ذلك، وأنت أكثر العرب مالا، فكان الجواب الواضح من قيس حيث قال: مخافة أن ينكحن مثلك.
عادات وتقاليد العرب في الزواج والنسب قديما
(3) هن رجس:
ومن أسباب وأد البنات في الجاهلية: الاعتقاد بأن البنت رجس من عمل الشيطان، أو من خلق إله غير آلهتهم، ولهذا يجب التخلص منها حتى لا تحمل لعنة الآلهة(1) الإسلام والأسرة: د/ محمود بن الشريف ص 17
السبايا
(4) الخوف من العار:
فقد كانت حياة العرب قائمة على الحروب، وكان حالهم ما بين نصر وهزيمة، مما يجعل نساءهم عُرضة للسبي، وبالتالي يلحق بهم العار لذلك، حيث أن السبية كانت تُباع في الأسوق، وقد تُكره على البغاء، وفي ذلك ذلة وعار بالنسبة للعربي، ومما يؤيد ذلك ما حدث مع قبيلة تميم، التي كانت خاضعة لسلطان النعمان بن المنذر ملك الحيرة،فمنعوه ضريبة الأتاوة التي كانت مفروضة عليهم، فجرد عليهم النعمان أخاه الريان مع (دوسرا) إحدى كتائبه وكان أكثر رجالها من بني بكر بن وائل، فهزمتهم الحملة، وسبت نساءهم، فاستاق النعمان سبي ذراريهم، فوفدت وفود بني تميم على النعمان بن المنذر، وكلموه في الذراري، فحكم النعمان بأن يجعل الخيار في ذلك إلى النساء، فأية امرأة اختارت زوجها ردت إليه، وإذا ما اختارت سابيها بقيت معه،فشكروا له هذا الصنيع.
وكانت من بين النساء بنت قيس بن عاصم، فلما خُيرت، فاختارت سابيها عمرو بن المشمرخ على زوجها، فغضب قيس بن عاصم، ونذر أن يدس كل بنت تولد في التراب، وبالفعل وفىِّ نذره، حتى بلغ عدد بناته، اللاتي دسهن في التراب ست بنات، وبه اقتدت بنو تميم، وبهم اقتدى العديد من القبائل العربية.
عار السبايا والجواري عند العرب في الجاهلية
(5) العيوب الخلقية:
ومن القبائل مَن كانت تئد البنات، لا لغيرة أو خوف من عار، بل إذا كانت مشوهة أو بها عاهة مثلاً: إذا كانت زرقاء ... أو سوداء ... أو برشاء ... أو كسحاء ... ويمسكون من البنات مَن كانت على غير تلك الصفات لكن مع ذل وعلى كره منهم
(ب) وأد البنات في العصر الحديث:
وأد البنات في الوقت الحاضر أخذ شكلا آخر وهو إسقاط الحامل لحملها بعد أن تعرف بأنها حامل ببنت عن طريق الكشف بواسطة السونار. و هذه العادة آخذة بالانتشار وخصوصا في الصين
(1) وأد البنات في الصين:
نشرت مجلة أمريكية معروفة
اسمها (The Christian Science) في عددها الجمعة
19/10/2007 مقالة مهمة بعنوان (فائض الذكور في الصين: قنبلة جيوسياسية موقوتة) (China s surplus of sons: A geopolitical time bomb) ولقد جاء فيها (إن
سياسة الطفل الواحد التي تفرضها الحكومة الصينية على شعبها
بدأت عواقبها الوخيمة تتضح, مشيرة إلى أن نسبة خمسة إلى ستة ذكور مقابل كل أنثى
بالصين وهو ما يعني أن كثيرا من الرجال لن يتمكنوا من إنشاء أسر خاصة بهم وإن الصين مدعوة بإلحاح إلى التغلب على أنواع الخلل
الاجتماعي والقانوني التي تضافرت لتنتج عنها الوضعية الحالية.
وذكرت أن ثقافة اختيار الابن الذكر متجذرة ومنتشرة في كثير من الثقافات, إذ يرى كثير من الناس عبر العالم أن الابن الذكر ضروري لضمان المستقبل المالي للعائلة ورفاهيتها الاجتماعية،وأضافت أن حجم ووضع هذه المشكلة في الصين مخيف، لأن سياسة الطفل الواحد تضع ضغطاً هائلا على الوالدين الصينيين كي يحددوا جنس ولدهم وهو في رحم أمه ويجهضون الحمل إن كان بأنثى.
وبحسب مجلة علوم الطب
البريطانية (The New England Journal of Medicine Research
) فإن عدد الإناث التي يتم وأدهم سنوياً على مستوى العالم حوالي
100مليون فتاة حيث يقدر حوالي 15 مليون فتاة يتم وأدها في الصين لوحدها، وتساءلت الصحيفة عن عواقب مثل هذه السياسة في العقود
القادمة فقالت إنها ستفاقم مشكلة تهريب النساء, التي ستتضرر منها المجتمعات
النامية أكثر من غيرها،كما أشارت إلى أن فائض الذكور قد تنجم عنه قلاقل إقليمية
قد تنتشر لتصبح مشكلة أمنية دولية.
ونقلت
في هذا الإطار عن الكاتبتين: فاليري هودسون وأندريا دن بور قولهما في كتابهما حول
الديمغرافيا والأمن الغصون المتشعبة إن فائض الذكور في منطقة ما غالبا
ما ينجم عنه تفش للعنف من خلال السطو أو الاحتجاج أو الانضمام للعسكر أو الجماعات
المسلحة،وختمت الصحيفة بمطالبة العالم بالضغط على الصين للتخلي عن سياسة
الطفل الواحد والتعلم من أخطاء الماضي لتفادي كارثة دمغرافية وقلاقل
جيوسياسية كبيرة في المستقبل)(3) المراجع والمصادر
جزاك الله كل خير
ردحذف