الباب الثالث: الإسلام والمرأة
رابعا: مآخذ أعداء الإسلام بشأن المرأة:
9- الطلاق:
ثانيا:
الطلاق في الإسلام:
(3) تضييق منافذ
الطلاق:
فى دراسة أخرجها
مركز معلومات دعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء أكد أن نسبة الطلاق في مصر
وصلت لـ40% بمعدل 240 حالة طلاق يوميا، ليصل عدد المطلقات في مصر إلى 2.5 مليون فى
حين تؤكد مصادر بالأمم المتحدة ان فى مصر أعلى نسبة طلاق فى العالم، والعجيب ان
معظم حالات الطلاق توجد بين الأسر الغنية وليس له علاقة بالفقر..
"صوت
الازهر" قارنت نتائج هذه الدراسة مع المبادئ التى أرساها النبي عليه الصلاة
والسلام للعناية بالأسرة والحفاظ عليها من الانهيار والحد من حالات الطلاق وذلك في
التحقيق التالي..
يقول
الشيخ محمود إمبابى وكيل الأزهر الأسبق عضو مجمع البحوث
الإسلامية إن للإسلام أثرا بارزا في بناء الأسرة ووضع الضوابط والمعايير التي تنظم
قيامها باعتبار الأسرة مرآة تعكس المجتمع الذي تنشأ فيه من حيث عقيدته وحضارته
وإحدى أهم لبنات المجتمع الإسلامي ولعل القرآن دلل على ذلك بنزول آيات في أمر
تناقش فيه الزوجة زوجها { قدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ
الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ
تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } (1) سورة المجادلة: - 1-
مما يؤكد أن الأسرة
فى الإسلام بكل تراثها التاريخى تمثل قيمة خاصة فى الامة فكان للزواج قدسيته
اختيارا وحياة ومصيرا كما كان هناك حرص متبادل على استمرار الحياة الزوجية وكان
الطلاق يمثل منعطفا خطيراً فى حياة الأزواج.
وأوضح أن الشريعة
الإسلامية دون غيرها من الشرائع عنيت بالأسرة فيسرت لها الطرق والوسائل التي تحفظ
أمنها وتديم استقرارها وكفلت لها الأمور التي تمنع انهيارها أو تدميرها، ونحن في
عصرنا الحالي حيث تكثر الفواحش وتعم الفتن، لابد وأن نعود مرة أخرى إلى هذا المعين
الذي لا ينضب من القرآن والسنة وأقوال السلف الصالح والتي تنير لنا طريقنا لحفظ
هذا الاستقرار المنشود.
وأشار الى أن الأمور
التي وضعها الإسلام حفاظا على استقرار الأسرة والمجتمع الإسلامي تضييق منافذ
الطلاق صيانة للحياة الزوجية ونبه الإسلام على الزوجين أن يجتهدا في إصلاح ما
بينهما إذا حدث شقاق أو نزاع؛ قال تعالى {وَإِنِ
امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ
عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ
الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} (2) سورة النساء – 128-
وذلك للاستمساك بعقد
الزوجية، الذي وصفه القرآن الكريم وصفًا يدل على عظمته في قوله سبحانه {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} (3) سورة النساء – 21-
ونوه امبابى أن
الإسلام حذر من الخضوع للنزوات والأهواء، والاستجابة للعاطفة لأن العاطفة تتغلب
وتتقلب، فقد يشعر الزوج نحو زوجته بنفرة، وعليه أن لا أن يلجأ بذلك إلى الطلاق
استجابة لهذه النفرة الموقوتة كما أمر الله {وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا
وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (4) سورة النساء – 19 -
وقال صلى الله عليه
وسلم "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي
منها آخر" لأن الحياة الزوجية إذا فقدت الحب فإنها جديرة بألا تفقد
التعاون والتكافل، وجديرة بألا تفقد التحرج من التفريق الذي يشقى الزوجة، ويشقي
أولادها، وكثيرا ما يشقَى الزوج نفسه.
لافتا الى أن
الإسلام وضع الكثير من الضوابط التي تصون الأسرة المسلمة وتحفظها من التفكك، لأن
الأسرة هي عماد المجتمع وحصنه وهذا من تمام عدل هذه الشريعة وكمالها وحرصها على ما
ينفع البشر في حاتهم.
من جانبها
قالت الدكتورة آمنة نصير استاذ العقيدة والفلسفة والعميد الأسبق
لكلية الدراسات الإسلامية بنات الأزهر ان الأسرة هى وحدة النظام الاجتماعي الذي
ظهر مع خلق الله للإنسان على الأرض وقد مرت الأسرة من بداية نشأتها وحتى وقتنا
المعاصر بعدد من التطورات الكبيرة سواء على مستوى حجمها وهيكلها أو على مستوى
العلاقات بين أفرادها أو بين الأسر بعضها ببعض أو من حيث أهدافها ووظائفها
وأدوارها، إلا أن الروابط الأسرية في المجتمع المعاصر أصبحت أقرب إلى التفكك
والانهيار.
وأكدت نصير أن
للإسلام في هذا الجانب دورا كبيرا فى الحفاظ على روابط الأسرة والذى بدأ من اختيار
أهم طرف وهى الأم ولذا قال عليه الصلاة والسلام "تنكح المرأة لأربع .."
مروراً بتسمية الأبناء بأسماء مقبولة فلقد جاء رجل لعمر بن الخطاب يشتكى ولده
العاق فقال أمير المؤمنين للولد: لماذا تعق والدك؟! فقال الولد: فما حقى على
والدى؟! فقال عمر "أن يختار امك واسمك وأن يربيك على القرآن".. ولما خلت
الأسرة من تلك الضوابط انهارت .
وأشارت الى أنه من
الثابت في الأدبيات الاجتماعية أن الأسرة منذ بداياتها الأولى وحتى اليوم كانت لها
آثار دينية وخلقية وتربوية فهي التي كانت تضع النظم الخلقية والقواعد السلوكية
وتفصل أحكامها وتوضح مناهجها وتقوم بحراستها وهي التي كانت تميز الخير من الشر
والفضيلة من الرذيلة وترسم مقاييس الأخلاق ولذا فالصحابيات كن يطلبن من أزواجهن أن
يتقوا الله فيهن ولا يطعمونهن إلا حلالا فإنهن يصبرن على الجوع والعطش ولا يصبرن
على حر جهنم .
وتابعت الدكتورة:
لذلك أوصى النبى صلى الله عليه وسلم بالنساء فى خطبة الوداع لاستمرار قيام الأسر
الناجحة ليكون لها آثار بارزة في معظم النواحي الاجتماعية وإفراز نماذج قويمة
يرتفع بها شأن الأمة ولذا أتى نداؤه عليه الصلاة والسلام فى خطبة الوداع "أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهن حقا...
فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان لا
يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة
الله فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً، ألا هل بلغت...اللهم فاشهد".(5) مصريون في الكويت http://www.egkw.com/ArticleDetail.aspx?id=78159#
شُرع الطلاق في الإسلام عند اقتضاء الضرورة بسبب تباين الأخلاق بين
الزوجين، وحدوث البُغض والكراهة في الشئون الدينية والاجتماعية بين الزوج
والزوجة،إلى حد عجز أحد الزوجين عن أداء وإقامة حقوق الزوجية، فالأصل في الطلاق
الحظر، بمعنى أنه محظور إلا لعارض يُبيحه، فإن لم يكن هناك حاجة أو سبب أصلا
للطلاق، كان وقعه حُمقا وسفاهة رأي، ومجرد كُفران للنعمة، ومحاولة لإيذاء الزوجة،
فإذا ما تجرد الطلاق عن الحاجة التي تُبيحه شرعا، فإنه يبقى على أصله من الحظر، ولهذا
قال – تبارك وتعالى – { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا
تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا } (6) سورة النساء – 34-
فالطلاق إنما شُرع
في الإسلام للضرورة مع الأخذ في الاعتبار عدم الضرر أو الإضرار، ورغم ذلك فقد حرص
الإسلام على تضييق منافذ الطلاق، وذلك من خلال الخطوات التالية:
(1) لقد
بغض الإسلام الطلاق لكل منْ تسول له نفسه الاستهانة برباط الزوجية،
أو يحاول التحلل من عقد النكاح والميثاق الغليظ، الذي جمع بين الزوجين، ودعا إلى
العشرة بالمعروف، والصبر على جوانب النقص، قال تعالي: { وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً
وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } (7) سورة النساء – 20-
وقال
صلى الله عليه وسلم ( لعن الله كل ذواق مطلاق ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( لعن
الله الذواقين والذواقات ) وقال صلى الله عليه وسلم محذرا النساء ( أيما امرأة
سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة ) (8) أبو داود (2226) والترمذي (1198) وأحمد ( 5/227، 283)
(2) لقد
عظم – الحق تبارك وتعالى – من شأن الطلاق نظرا لفداحة الأثر الناجم
عنه على كل من الزوج والزوجة والأبناء والأهل والمجتمع، فحث كلا الزوجين وبخاصة
الزوج على تجنب الظلم لزوجته، ولذا فقد قُرنت آيات الطلاق بالتنبية على رعاية
وصيانة حدود الله التي سنها لعباده قال – تعالى – معقبا ومختتما الأيات الخاصة
بالطلاق { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ
وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (9) سورة البقرة – 222-
وقال – سبحانه – { وَتِلْكَ حُدُودُ
اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } (10) سورة البقرة – 230-
وقال – جل شأنه – { وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ
فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ} (11)
سورة النساء – 13: 14-
وقال - جل وعلا – { وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ
ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ } (12) سورة البقرة – 231-
وقال - عز منْ قائل –
{ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي
أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ } (13)
سورة النساء – 235-
(3) وضع
الإسلام سياسة التحكيم بين الزوجين المختصمين، ولم يفته التنبيه
عليهما بالإخلاص في الرغبة في استمرار وبقاء رباط الزوجية، لكي يهيئ – الله – لهما
أسباب الصفاء،وجعل الإسلام القصد من الحكمين محاولة جمع الشمل، قبل أن يستفحل
الخلاف والشقاق بينهما، وتبدوا شروره، واختار الحكمين من أهل الزوجين ليكونا أحرص
على التوفيق بينهما، وأقدر على معرفة الدخائل قال تعالى { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ
وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا
ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا } (14) سورة النساء -35-
ويعلق ابن عباس – رضي الله عنه – على تلك الآية بقوله: هذا
الرجل والمرأة إذا تفاسد الذي بينهما، أمر – الله – أن تبعثوا رجلا
صالحا من أهل الرجل، ورجلا صالحا من أهل المرأة، فينظران أيهما المسيئ؟!
قال ابن رشد : باب في بعث الحكمين :
اتفق العلماء على
جواز بحث الحكمين إذا وقع التشاجر بين الزوجين وجهلت أحوالهما في التشاجر أعني :
المحق من المبطل ؛ لقوله تعالى : (وَإِنْ
خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ
أَهْلِهَا)
وأجمعوا على أن
الحكمين لا يكونان إلا من أهل الزوجين : أحدهما : من قبل الزوج ، والآخر : من قبل
المرأة ، إلا أن لا يوجد في أهلهما من يصلح لذلك فيرسل من غيرهما .
وروى أبو عبيدة : أن عليا رضي الله تعالى عنه بعث رجلين
فقال لهما : أتدريان ما عليكما ؟ ! عليكما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما
، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما ) ، فقال الرجل : أما هذا فلا ، فقال : كذبت ، لا
والله لا تبرح حتى ترضى بكتاب الله عز وجل لك وعليك ، فقالت المرأة : رضيت بكتاب
الله لي وعلي .(15) كتاب الأم/ الإمام
الشافعي:الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 641)
أما إذا فقد الحكمان
الإخلاص والمروءة والنجدة، وذهب كل منهما إلى مجلس وفي نفسه ما فيها من الأضغان
والعصبية، فإن الزمام سيفلت حتما من أيدهما وعلى ذلك المعنى يعلق الإمام على – رضي
الله عنه – الحكمان بهما يجمع الله وبهما يُفرق.
ويقول الإمام الزمخشري: إن قصد الحكمان
إصلاح ذات البين وكانت نيتهما صحيحة، وقلوبهما ناصحة لوجه الله بورك في وساطتهما،
وأوقع الله بطيب أنفسهما، وحُسن سعيهما بين الزوجين الوفاق والألفة وألقى في
نفسيهما المودة والرحمة.
ومن أجل ذلك الإخلاص في الإصلاح بين الزوجين، فقد ضرب سيدنا عمر بن الخطاب –
رضي الله عنه – حكمين بالدرة، عندما فشلا في إصلاح ذات البين بين زوجين قائلا
لهما: لو كانت نيتيكما صافية وتبغيان الصلح لوفقكما الله لم تسعيان له.
(4) لقد حث الإسلام الزوجين على ضرورة الاجتهاد في إصلاح
ما بينهما، إذا حدث شقاق أو نزاع قال
تعالى : ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا
نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا
صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ ) (16) سورة النساء – 128 –
فإذا ما شعرت المرأة أن زوجها قد أعرض عنها، ورغب في غيرها، وانصرف قلبه
عنها، فلا حرج عليها في أن تصالحه على ترك بعض حقوقها عليه، أملا في استعطافة،
واستمرار العلاقة بينهما.
(5) لقد حذر الإسلام من النزوات والشهوات، والميل مع
الأهواء، والاستجابة للعاطفة المتقلبة
والمتغيرة، فقد يسأم الزوج زوجته، ويشعر نحوها بنفرة، ورغبة في غيرها،ولكن إذا ما
تريث فقد تزول تلك الرغبة، أو النفرة المؤقتة، ولذا قال تعالى محذرا من الرغبات
المؤقتة، والنظرات العابثة ( وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً
وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) (17) سورة النساء – 19 –
قال الإمام الطبري – رحمه الله - :عاشروهن بالمعروف وإن كرهتموهن ، فلعلكم إن تكرهوهن
فتمسكوهن ، فيجعل الله لكم في إمساككم إياهن على كُرهٍ منكم لهن خيراً كثيراً ،
مِن ولدٍ يرزقكم منهن ، أو عطفكم عليهن بعد كراهتكم إياهن (18) تفسير الطبري ( 8 / 122 ) .
وقال الإمام ابن كثير – رحمه الله
- : وقوله تعالى : ( فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا
وَيَجْعَلُ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً ) ، أي : فعَسَى أن يكون صبركم مع
إمساككم لهن وكراهتهن : فيه خير كثير لكم في الدنيا ، والآخرة ، كما قال ابن عباس
في هذه الآية : هو أن يَعْطف عليها ، فيرزقَ منها ولداً ، ويكون في ذلك الولد خير
كثير ، وفي الحديث الصحيح : ( لا يَفْرَك مؤمنٌ
مؤمنةً ، إن سَخِطَ منها خُلُقا رَضِيَ منها آخر ) (19) تفسير ابن كثير ( 2 / 243 ) .
وقال الشيخ العثيمين – رحمه الله: فالواجب
على كلٍّ مِن الزوجين أن يقوم بما أوجب الله
عليه من العشرة الحسنة ، وألا يتسلط الزوج على الزوجة لكونه أعلى منها ، وكون
أمرها بيده ، وكذلك للزوجة لا يجوز أن تترفع على الزوج بل على كل منهما أن يعاشر
الآخر بالمعروف ، ومن المعلوم أنه قد يقع من الزوج كراهة للزوجة ، إما لتقصيرها في
حقه ، أو لقصور في عقلها وذكائها ، وما أشبه ذلك ، فكيف يعامِل هذه المرأة ؟ نقول
: هذا موجود في القرآن ، وفي السنّة ، قال الله تبارك وتعالى : ( فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً
وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) النساء/19 ، وهذا هو الواقع ،
قد يكره الإنسان زوجته لسببٍ ، ثم يصبر ، فيجعل الله عز وجل في هذا خيراً كثيراً ،
تنقلب الكراهة إلى محبة ، والسآمة إلى راحة ، وهكذا ، وقال النبي صلى الله عليه
وسلم : ( لا يفرَك مؤمن مؤمنة - يعني : لا يبغضها ،
ولا يكرهها - إن كرهَ منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر ) ، انظر المقابلة ،
الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه الله الحكمة ، ( إن كره منها خلقاً رضي منها
خلقاً آخر ) هل أحد يتم له مراده في هذه الدنيا ؟ لا ، أبداً ، لا يتم مرادك في
هذه الدنيا ، وإن تم في شيء : نقص في شيء ، حتى الأيام ، يقول الله عز وجل : ( وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ )
آل عمران/140 ، وفي ذلك يقول الشاعر الجاهلي :
ويوم علينا ويوم لنا ويوم نُسَاءُ ويوم نُسَرّ
وجرب هذا تجد ، لا تبقى الدنيا على حال واحد ، ومن الأمثال السائرة :
" دوام الحال من المحال " ، فإذا كرهت من زوجك شيئاً : فقابله بما يرضيك
حتى تقتنع (20) لقاءات الباب
المفتوح ( مقدمة الجزء 159 )
لقد سمَّى - الله تعالى – العلاقة بين
الزوجين " مودة " و " رحمة " ولم يسمِّه حبّاً ، قال تعالى : ( وَمِنْ
آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا
وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ ) الروم/21 ، وهذا هو الواقع أصلاً في حياة الشرفاء العقلاء ، فإن
الراغب في النكاح يسمع عن المرأة تصلح للزواج فيأتي لخطبتها فيُعجب بجمالها أو
دينها أو حيائها ، فيتزوجها ، ولا يقال هنا إنه تزوجها عن حبٍّ ، ولا سمى الله
تعالى ما يجعله بينهما حبّاً ، وليس في هذا إنكارٌ للفظة ووجودها ، بل تنبيه على
أمرٍ غاية في الأهمية ، وهو أن الزواج شُرع لمقاصد كثيرة ، كإعفاف النفس ، وإقامة
الأسرة المسلمة ، وإنجاب الذرية .
ولذا فإنه قد روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه جاءه رجل يريد تطليق امرأته ، فلما سأله عمر عن السبب :
قال : إنه لا يحبها ! فردَّ عليه عمر رضي الله عنه ويحك: " ألم تُبن البيوت
إلا على الحب ؟! فأين الرعاية وأين التذمم؟!
" وقال عمر – أيضاً - لامرأة سألها زوجُها
: هل تبغضه ؟! فقالت : نعم ، فقال لها عمر : " فلتكذب إحداكن ، ولتجمل ، فليس
كل البيوت تُبنى على الحب ، ولكن معاشرة على الأحساب ، والإسلام " .
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا : ( وَإِنْ
امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا ) قَالَتْ : هُوَ الرَّجُلُ يَرَى مِنْ امْرَأَتِهِ مَا لَا يُعْجِبُهُ
: كِبَرًا ، أَوْ غَيْرَهُ ، فَيُرِيدُ فِرَاقَهَا ، فَتَقُولُ : أَمْسِكْنِي ،
وَاقْسِمْ لِي مَا شِئْتَ ، قَالَتْ : فَلَا بَأْسَ إِذَا تَرَاضَيَا (21) رواه البخاري ( 2548 ) ومسلم ( 3021 )
وفي لفظ له :
قَالَتْ : نَزَلَتْ فِي الْمَرْأَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَلَعَلَّهُ
أَنْ لَا يَسْتَكْثِرَ مِنْهَا ، وَتَكُونُ لَهَا صُحْبَةٌ ، وَوَلَدٌ فَتَكْرَهُ
أَنْ يُفَارِقَهَا ، فَتَقُولُ لَهُ : أَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ شَأْنِي .
قال ابن القيم - رحمه الله - :
الرجل إذا قضى وطراً من امرأته ، وكرهتها نفسه ، أو عجز عن حقوقها : فله أن
يطلقها ، وله أن يخيرها ، إن شاءت أقامت عنده ، ولا حق لها في القسْم ، والوطء ،
والنفقة ، أو في بعض ذلك ، بحسب ما يصطلحان عليه ، فإن رضيت بذلك : لزم ، وليس لها
المطالبة به بعد الرضى ، هذا موجب السنة ومقتضاها ، وهو الصواب الذي لا يسوغ غيره (22) زاد المعاد ( 5 / 152 ) .
فلقد أمر الله تعالى الأزواجَ
بمعاشرة زوجاتهم بالمعروف ، وبيَّن لهم تعالى أنه قد يقع منهم كراهية لهذه الزوجة ، فليس عليه أن يباشر بتطليقها
، بل يصبر عليها ويمسكها ؛ لسببين :
الأول : أنه إن كرهَ منها خلُقاً فقد يكون لها أخلاقاً أخرى مرضيَّة ،
وهكذا يقال لمن كانت عنده امرأة ليست جميلة لا يُعجبه خَلْقها أن نقول له : فارض
بخُلُقِها ، واجعل هذه الأخلاق سبباً في إمساكها والصبر عليها ، فإنها التي تصلح
لحفظ عرضك ومالِك ، وهي التي تصلح لتربي لك أولادك .
والثاني : أن الله تعالى قد يجعل في صبره وتحمله لها خيراً كثيراً في
الدنيا والآخرة ، في الدنيا مثل الولد الصالح منها ، وفي الآخرة كالثواب الجزيل
على صبره وتحمله.(23) موقع
الإسلام سؤال وجواب/ فقه الأسرة / العشرة بين الزوجين.
(6) لقد نهى الإسلام الحنيف عن محاولة بعض الرجال أو بعض
النساء التدخل ما بين الزوجين في محاولة
لإفسادهما وتوسيع دائرة الشقاق بينهما أملا في الاستئثار بأحدهما كزوج أو زوجة،
فأي إنسان يحاول إفساد ما بين الزوجين من علاقة، فهو في نظر الإسلام خارج عنه، ولا
يستحق شرف الإنتساب إليه، قال صلى الله عليه وسلم ( ليس
منا منْ حلف بالأمانة ومنْ خبب على امرئ
زوجته ومملوكه فليس منا )
(24) أخرجه وصحهه الألباني.
كما حذر الرسول صلى الله عليه وسلم أي امرأة تحاول إفساد ما بين الزوجين
طمعا منها في الزواج حيث قال صلى الله عليه وسلم ( لا
تسأل امرأة طلاق أختها لتستفرغ صفحتها، لتُنكح، فإن لها ما قدر لها) بل إنه
– صلى الله عليه وسلم – قد حذر كل زوجة تطلب من زوجها طلاقا من دون سبب أو سند
لذلك الطلاق فقال ( أيما امرأة سألت زوجها طلاقا من
غير بأس، فحرام عليها رائحة الجنة ) (25) أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن
حبان وحسنه الترمذي
(7) فإذا ما فشلت كل هذه الوسائل في رأب الصدع بين
الزوجين، وأصر الزوج أو الزوجة على الطلاق،
فأحسن حالاته أن يكون طلقة واحدة في طهر لم يمس الرجل زوجته فيه، فقد قال تعالى ( يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ
وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن
بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ
وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ
نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا )
(26) سورة الطلاق – 1-
حيث أن فترة الحيض فترة ركود أو نفور أو استجابة لنوازع الغضب وانصراف
الرغبة، أما فترة الطهر فهي الزمن الملائم للإمتزاج والتفاهم والاتصال.
(8) اشتراط بعض فقهاء الإسلام أن يكون الطلاق أمام
شاهدين، كما كان عقد الزواج أو
النكاح أمام شاهدين، وفي ذلك الشرط ترهيب من الإقدام على الطلاق عند حدوث أول
بادرة أو نقرة، ثم تسجيل لوقوعه إذا ما وقع حتى لا يتلاعب به الزوج قال – تعالى – (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا
الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً *
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ) (27) سورة الطلاق – 2 -
(9) قضى
الإسلام بأن يكون الطلاق مرادا مقصودا مستقرا في النية، وأظهره
اللسان، وذلك حتى يكون فصم العلاقة الزوجية عن تدبير وروية واختيار لا عن تسرع
وغفلة أو كُره أو إكراه، ولذا فالطلاق لا يقع من كل منْ:
(أ) المكره: لقوله صلى الله
عليه وسلم ( رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما
استُكرهوا عليه ) ولقد ذهب رجل إلى عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – يشكو
له ( أنه قد تدلى بحبل ليشتار عسلا، فأتت امرأته
فقالت: لأقطعن الحبل أو تُطلقني، فناشدتها الله، فأبت، فطلقتها، ثم جاء إلى ابن
عمر فذكر له ذلك، فقال له: ارجع إلى امرأتك،فإن ذلك ليس بطلاق) (28) زاد المعاد 4/52 : 56
(ب) السكران: فقد ذهب أكثر
الصحابة والفقهاء إلى بطلان طلاقه لأنه بسكره قد فقد عقله، فلم يعد بمكلف وغدا
كالمجنون.
(ج) الغضبان: فطلاقه لا يقع لقوله
صلى الله عليه وسلم ( لا طلاق ولا عتاق في إغلاق
) أي غضب (29) زاد المعاد 4/59
تلك هي بعض العقبات
التي يضعها الإسلام أمام راغب الطلاق في محاولة جادة منه لإعلاء قدر
رباط الزوجية الذي ربط بين الزوجين، وتضييق السبيل أمام كل باحث عن الطلاق، فإذا
لم تنجح كل هذه الوسائل، وعزم كلا الزوجين على الخلاص، وجدا في فصم ذلك الميثاق
الغليظ الذي جمع بينهما، فلابد من إتباع الزوج لبعض الخطوات قبل الوصول إلى
الطلاق، وهذا ما سنوضحه في الخطوات التالية من خطوات ما جاء به الشرع الإسلامي
الحنيف في تقنين ظاهرة الطلاق.