الباب الأول: عمارة الكون وخلق آدم وحواء

هداية الحيارى من الثيبات والعذارى: الباب الأول (1) بين يدي هداية الحيارى


                     بسم الله الرحمن الرحيم         
                    بين يدي هـداية الحيارى
إن الحمد لله ولي الحمد  نحمده نتعالى في يسرنا والجهد، وهو الذي في الكرب نستعين، وهو الذي ليس له قرين، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد الفرد الصمد، فهو  سبحانه وتعالى  موضع كل شكوى، سامع كل نجوى، عالم بكل خفية، كاشف لما يشاء من بليه، وأشهد أن سيدنا وقدوتنا ومعلمنا ومنقذنا وشفيعنا محمد  صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، صفيه وخليله. اللهم صل عليه وعلى أله وصحبه وسلم.
                                                                     
                                    أما بعد
بداية أقرر أن هذا البحث كان الدافع إليه التقرب إلى الله  سبحانه وتعالى في علاه  ثم الإجابة على سؤال طرحته عليّ بعض الفتيات المستهترات اللائي لا يشرف الإسلام انتسابهن إليه، ولقد تركزت استفساراتهن                               حول:
·       حقوق المرأة في الإسلام.
·       وعن الحب والجنس.
·       وعن الحرية والاختلاط.
جاعلات ما يطلبن من أساسيات العصر الذي فيه نحيا، وبقوانينه نعيش.
وكأي مسلم غيور على دينه، تعلوه الحمية إذا ما رأي حرمات الله ُتنهتك، وحدوده يسخر منها، وتعاليمه يستهزأ بها، وكأننا قد رددنا إلى الجاهلية الأولى، وننتظر نزول الوحي  عليه السلام  وبعث الرسول الكريم  صلى الله عليه وسلم  من جديد.
فاستعنت بالله أولا، وأخلصت له النية والقصد ثانيا، ثم ركبت سفينة الفكر، وأبحرت في بحار الدنيا والأمم الماضية، أدس الأنف في كل شئ، متحلين بالعقل لاهثا خلف الحقيقة، فلما حسن القصد، وخلصت النية، تم عون الله تبارك وتعالى  فجاءت أبواب البحث السبعة على النحو التالي:
الباب الأول:  وفي هذا الباب تحدثت عن: الهدف من خلق آدم وحواء، ثم كيفية خلق كل من آدم وحواء، ثم الخطيئة والهبوط من الجنة، وذلك لكي تقف كل فتاة سواء كانت مسلمة أم غير ذلك على السبب الذي من أجله خلقت، فتحدد هدفها ومقصدها في الحياة، ثم تعرف كيف خلقت؟! حتى تكون معرفتها هذه طريق نسلك خلاله لنوضح ما لها من حقوق، وما عليها من واجبات، ومن ثمة تدرك أن مطالبتها الغير مدروسة بالمساواة المطلقة بالرجل تتعرض مع هذه الخلقة.‏
الباب الثاني:
ولقد خصصت هذا الباب للحديث عن مكانة ومنزلة المرأة في العصور التاريخية المختلفة، ولدى الأمم التي سبق وجودها وجود الأمة الإسلامية، مبتدأ بمكانتها في العصر الفرعوني، ومنتهيا بمكانتها في العصر الجاهلي، وذلك حتى تعرف الفتاة المسلمة وغير المسلمة كيف كانت مكانة ومنزلة المرأة قبل الإسلام، فإذا ما قدمنا لها ما جاءت به الشريعة الإسلامية متعلقا بالمرأة ؟! أدركت كم الفارق بين الإسلام وبين ما قبله من الأديان الأخرى سواء كانت أديان سماوية، أم فلسفات وعقائد وضعية.
الباب الثالث:
فقد عرضت فيه لمكانة ومنزلة المرأة في ظل الشريعة الإسلامية، وذلك من خلال: مراعاة الإسلام للقيمة الإنسانية للمرأة، واحترامه لفكرها وعقلها، ثم شرف المساواة مع الرجل، والذي لم تحصل عليه في ظل أي دين غير الدين الإسلامي، ثم تعرضت لمآخذ أعداء الإسلام بشأن المرأة، وكان ردي على حقدهم وكيدهم مبني في أساسه على الحجة العقلية، والوقائع التاريخية، وشهادات بعض المعتدلين من أهل الإستشراق، فالإضافة إلى ما جاء به العلم الحديث، ثم يأتي دور النصوص القرآنية والأحاديث النبوية.
ولقد وفقني الله  تعالى  إلى تفنيد كل مزاعمهم الواهية، التي لا أساس لها سوى الحقد والكيد والغل، وفي ختام هذا الباب آثرت أن أقدم بعض نصائح ووصايا الرسول الكريم  صلى الله عليه وسلم  للمرأة المسلمة حتى تتضح أمامها الصورة، وينحسر الظلام عن الطريق.
الباب الرابع:
ولقد خصصت هذا الباب للحديث عن الحب لغة واصطلاحا وأنواعه وأعلى مراتبه وأدناها، ثم وضحت
فضل التعفف في الحب ضاربا المثل بالحب العذري، وذلك لتقف كل فتاة على اختلاف مذاهبها
على المعاني الحقيقة للفظ الحب، وما يقصد منها، وأنها تختلف كثيرا عما تسمعه من زميلات أو زملاء الدرس، أو ما تلاحظه من خلال التلفاز، وبذلك يستقيم فكرها، وتطمأن نفسها.
الباب الخامس:
فقد خصصته للحديث عن الزواج، فأوضحت كافة أشكال وطرائق الاتصال الجنسي ما بين الرجل، والمرأة قبل الإسلام، وما كان ينطوي عليه ذلك الاتصال من إذلال وتحقير لكرامة وعقل وعرض المرأة، ثم تحدثت عن تسامي الإسلام بالغريزة الجنسية، وتنظيم الإسلام للزواج، وتقنينه للاتصال الجنسي تقنيا ينطوي على كل الاحترام لعاطفة وعقل وكرامة المرأة، ثم تعرضت لنظرية فرويد الواهية، التي تطالب بالإشباع الجنسي، وبينت ما ترتب على الإباحية الجنسية التي نادى بها فرويد من مرض وهوان في أوربا، وبذلك تدرك المرأة المسلمة بصفة خاصة وغير المسلمة بصفة عامة كيف أن الإسلام قد كرم المرأة وأعلى من قدرها ؟!
الباب السادس:
فقد خصصته للحديث عن المرأة بين أنصارها وخصومها، وصفاتها التي لحقت بها من: وفاء وغدر وكيد وغيره، وذلك لتقف المرأة صفة عامة على الصفات الحسنة التي حمدت في المرأة فتتعلق بها، والسمات البغيضة فتنفر منها، وختمت الباب ببعض النوادر والطرائف، التي يمكن للمرأة آن تأخذ منها العظة والعبرة.
الباب السابع:
فلقد خصصته لتوجيه بعض النصائح والوصايا للمرأة، من خلال خمس مراحل تمر بها المرأة في حياتها ابتداء
من الطفولة، ثم دورة الحيض، وانتهاء بالأمومة وما تقتضيه، ثم بحثها عن صحة البدن، وصحة النفس وبذلك تكون كل فتاة مسلمة أو غير مسلمة على علم ودراية بكل ما يعتريها في حياتها من رغبات وميول، ودليلها في تلك الحياة.
وفي الختام:
هذه فكرة عامة عن مشتملات البحث وما يحتويه، وأتمنى من الله  العلي الكبير  بل أقسم عليه بذاته أن يقبله مني، ويجعله درجة من درجات السلم الذي ارتقيه حتى أصل إلى حبه  تبارك وتعالى  فهو غايتي ومقصدي، كما أرجوا من الله أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وان يكون هذا البحث خطوة في طريق كل فتاة، وأن تجد فيه العون حتى تصل لهدفها ومرامها، سواء كانت بنتا أم مخطوبة أو زوجة أو أما.
وأخيرا فإن كمل هذا البحث وحقق الهدف منه  فذلك من الله، أما إذا ما اعتراه نقص فمرد ذلك النقص إلىّ وآخر دعوانا  أن الحمد لله رب العالمين




=========================================

            بسم الله الرحمن الرحيم
                                       
                    أبواب البحث
                      الباب الأول

·       عمارة الكون والسبب في خلق آدم وحواء.
·       صفة خلق آدم عليه السلام.
·       صفة خلق حواء.
·       الخطيئة والهبوط من الجنة.
·       أول جريمة قتل ودور المرأة فيها.
 والآن تعالين بنا نرى كل عنصر من تلك العناصر في شئ من التفصيل:
***********************************
    
    (3)  عمارة الكون والسبب في خلق آدم وحواء: الباب الأول
عمارة الكون والسبب في خلق آدم وحواء
شاء الحق - تبارك وتعالى  أن يخلق الكون وفق إرادته وحكمته، لُيظهر كمال علمه وقدرته، بظهور أفعاله المتقنة المحكمة، ولُيثبت أنها لا تأتي إلا من قادر حكيم، ولُيعبد في هذا الكون، فإنه ُيحب عبادة العابدين، وُيثيبهم عليها على قدر فضله، لا على قدر عبادتهم وأفعالهم، وإن كان غنياً عن عبادة خلقه، لا ُتزيد في ملكه طاعة المطيعين، ولا ُتنقص من ملكه معصية العاصين.       قال  الله تعالى -: [وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ(57) إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ(58) ]. {الذاريات}.
ففي هذه الآية الكريمة يوضح - الحق تبارك وتعالى-: تمام الغاية التي إليها قصد من وراء خلق الخلق، فقد أشار إلى أن الغاية من خلق الثقلين ( الإنس والجن ) تنحصر في عبادته وتوحيده  جل شأنه  لا لطلب الدنيا والانشغال بالسعي فيها عن عبادته وتوحيده، فهو  سبحانه  لا يطلب منهم رزقا له، ولا إلي أنفسهم، وذلك لأنه الرازق المعطي، فشأن الله  سبحانه  مع عباده، يختلف عن شأن السادة مع عبيدهم، - ولله المثل الأعلى  فالسادة إنما يحتاجون لعبيدهم من أجل أن ينهض العبيد بما يُوكل إليهم من أعمال، تساعد على استمرار معايش السادة، أي أن العبيد سببا لاستمرار السادة، وفي مقابل ذلك يقع على عاتق السادة عبء كفالة عبيدهم من حيث المطعم والمشرب والملبس، أما حال  الحق تبارك وتعالى  مع عباده أفضل من ذلك، فهو  سبحانه  ى يكلفهم بأي عمل سوى العبادة، والالتزام بما إليه أمر، والبعد عما عنه نهى، وفي مقابل ذلك فهو  سبحانه وتعالى  المتكفل بأرزاقهم وحاجاتهم  فالله سبحانه  غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه  سبحانه  في جميع أحوالهم، فهو  جل شأنه  خالقهم ورازقهم.
قال- الله عز وجل -: ( [اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ] {الرُّوم:40}
قال المفسرون: خلقكم لإظهار القدرة، ثم رزقكم لإظهار الكرم، ثم يميتكم لإظهار القهر والجبروت، ثم يحييكم لإظهار العدل والفضل، والثواب والعقاب.(1) دراسات في التفسير
الموضوعي للقرآن الكريم د/ احمد جمال العمري ص 109
قال تعالي: [وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي
كِتَابٍ مُبِينٍ] {هود:6}
وفي الحديث القدسي: قال تعالى: [ ابن آدم، تفرغ لعبادتي؟، أملأ صدرك غنى، وأسد فقرك، و إلا تفعل، ملأت صدرك شغلا، ولم أسد فقرك ] (2) من الأحاديث القدسية ياسين رشدي ص 10
وقوله  جل شأنه  { عبدي: خلقتك لعبادتي فلا تلعب، وقسمت لك رزقك فلا تتعب، إن قل فلا تحزن، وإن كثر فلا تفرح، إن أنت رضيت بما قسمته لك، أرحت بدنك وعقلك، وكنت عندي محمودا، وإن لم ترض بما قسمته لك، أتعبت بدنك وعقلك، وكنت عندي مذموما، وعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في الفلاة، ولا تُصيب منها إلا ما كتبته لك}(3) من الأحاديث القدسية مرجع سابق ص 10
وقال  سبحانه وتعالى  { يا عبادي: إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا منْ هديته فأستهدوني أهدكم، يا عبادي: كلكم جائع إلا منْ أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي: كلكم عار إلا من ْ كسوته، فإستكسوني أكسكم، يا عبادي: إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي: إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وأخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي: لو أن أولكم وأخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي: لو أن أولكم وأخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يُنقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمنْ وجد خيرا، فليحمد الله، ومنْ وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه }(4) الأحاديث القدسية: ج1 ص 264
ومن هنا يتضح لنا بما لا يدع مجالا للشك، أن الغاية من خلق بني آدم، تنحصر في النهوض بعبادة الله  عز وجل  من خلال مسايرة أمور الحياة المختلفة حيث أن العبادة كما وصفها شيخ الإسلام ابن تيمية  رحمه الله تعالى -: اسم جامـــع لكل ما يحبه الله ويرضاه من
الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء، والذكر، والقراءة وأمثال ذلك  يعني  العبادة الظاهرة.
وكذلك حب الله، ورسوله (صلى الله عليه وسلم) وخشيته والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف لعذابه، وأمثال ذلك  يعني  العبادة الباطنة.(5) معارج القبول الشيخ/ حافظ ابن أحمد حكمي ج1 ص 33، 34
وهذا وإذا كان  الحق تبارك وتعالى  قد قصد عبادة الخلق له، - سبحانه  كسبب لوجودهم، فهو  جل شأنه  يسوق رزقه للجميع: مطيعهم وعاصيهم، مؤمنهم وكافرهم، برهم وفاجرهم، مسلمهم ومنافقهم، فهو  جلت قدرته  لا يختص فريق بالرزق دون فريق، وإنما رزقه  سبحانه  للجميع، ثم تأتي بعد ذلك إثابة المطيع والمؤمن والبر والمسلم، وعقاب العاصي والكافر، والفاجر، والمنافق فحاله  تبارك وتعالى  وحال عباده معه يدعو للعجب، ومما يؤكد قوله  تعالى - في الحديث القدسي: [ إني والجن والإنس في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري] (6) من الأحاديث القدسية: ياسين رشدي ص 12 كما رواه البيهقي والحاكم.
فهذا الحديث يوضح حال العجب في تعامل الخالق - جل شأنه  مع عباده، ورد عباده على هذا التعامل منه  تقدس اسمه  فالله  تبارك وتعالى  هو خالق العباد، ورغم ذلك يعبدوا غيره، وهو أيضا رازقهم، ورغم ذلك يشكروا سواه، وما كان ذلك منه - سبحانه  إلا لعظم الحلم والصبر والرحمة والعفو والفضل الذي يعامل به الله  سبحانه  عباده
وفي حديث الرسول ( صلى الله عليه وسلم) ما يؤكد ويدعم ذلك المعنى حيث قال ( صلى الله عليه وسلم) { ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يدعون له الولد، ثم يعافيهم ويرزقهم}
(7) فتح الباري: ج13 حديث رقم  7378 
فإذا كان الحق  تبارك وتعالى  قد فرض علين فريضة العبادة والطاعة، وفرض على ذاته رزقنا، فإن نحن خالفناه في فريضته، لم يخالفنا في رزقه، الذي يسوقه لنا رغم معصيتنا له، وعلى ذلك فيكون شرنا إليه  جل وعلا  صاعد، وخيره رغم ذلك إلينا نازل.
كما إن تعجيل العقوبة ليس من شأنه، ولا من صفاته  جلت قدرته  فهو سبحانه  القائل عن ذاته في الحديث القدسي الشريف: { ما غضبت على أحد غضبي على عبد أتى معصية، فتعاظمها في جنب عفوي، فلو كنت معجلا بالعقوبة، أو كانت العجلة من شأني، لعجلتها للقانطين من رحمتي، و لو لم أرحم عبادي إلا من خوفهم من الوقوف بين يدي، لشكرت ذلك لهم، وجعلت ثوابهم منه الأمن لما خافوا }(8) من الأحاديث القدسية: ياسين رشدي ص106 رواه الرافعي.
فالإنسان إذا أطاع الله، أطاعه كل شئ، وإذا عصاه، عصاه كل شئ، وفي الحديث
القدسي( أوحى الله إلى داود  عليه السلام ( وعزتي وجلالي ما منْ عبد يعتصم بي دون خلقي  أعرف ذلك من نيته  فتكيده السموات والأرض بمنْ فيها، إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا، وما منْ عبد يعتصم بمخلوق دوني  أعرف ذلك من نيته  إلا قطعت أسباب السماء بين يديه، أرسخت الهوى من تحت قدميه، وما منْ عبد يطيعني، إلا وأنا معطيه قبل أن يسألني، ومستجيب له قبل أن يدعوني، وغافر له قبل أن يستغفرني ) ( 9) من الأحاديث القدسية ياسين رشدي رواه ابن عساكر، والديلمي.
من كل ما تقدم يتضح لنا أن عبادة الله وطاعته  سبحانه وتعالى  من خلال إتباع أوامره، واجتناب نواهيه، هي السبب الرئيسي الذي من أجله خلقنا، وهي العلة المقصودة، والغاية المرجوة من وجود أدم وذريته في هذا الكون بعد فساد المخلوقات التي سبقت وجود بني آدم في عمارة الأرض، ومن ثمة تكون الدنيا بكل ما يجري فيها، وسيلتنا للوصول إلى العيش الطيب في الآخرة، وأن كل ما نرغب في تحقيقه، والوصول إليه في الدنيا، لابد وأن يرتبط ارتباطا وثيقا بمدى طاعتنا لله وبمدى التزامنا بما إليه أمر وبعدنا عما عنه نهى وزجر.
ولذلك نجد الرسول الكريم  صلى الله عليه وسلم  يخاطب عبد الله بن عباس  رضي الله عنهما  وهو لا يزال غلاما قائلا: { يا غلام إني معلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشئ لم ينفعوك إلا بشئ قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشئ لم يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف }
هذا وقد أعطى الحق  تبارك وتعالى  الإنسان القدرة على تنفيذ ما يوكل إليه فعله، فقد خلق  سبحانه  كل شئ في الكون لأجل الإنسان، وخلق الإنسان لأجله  جل شأنه  وأعطاه القوة والقدرة على النهوض بما يلقى على عاتقه من مهام، ومما يؤيد ذلك، ما رواه أنس بن مالك  رضي الله عنه  حيث قال: { لما خلق الله الأرض، جعلت تميد، فخلق الجبال، وألقاها عليها فاستقامت، فتعجبت الملائكة من شدة الجبال، فقالت: يارب هل من خلقك شئ أشد من الجبال ؟! قال: نعم الحديد، فقالت: يارب هل من خلقك شئ أشد من الحديد ؟! قال: نعم النار، فقالت: يارب هل من خلقك شئ أشد من النار ؟! قال: نعم الماء، فقالت: يارب هل من خلقك شئ أشد من الماء ؟! قال: نعم: الريح، فقالت: يارب هل من خلقك شئ أشد من الريح ؟! قال: نعم الإنسان } (10) دراسات في التفسير الموضوعي للقصص القرآني د/ أحمد العمري ص 116 
ومن لطيف من نختم به هذه المقالة، الحديث القدسي الذي أورده ابن كثير في تفسيره، قال الحق  تبارك وتعالى  { ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب، وتكفلت برزقك فلا تتعب، فاطلبني، تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شئ، وإن فتك فاتك كل شئ، وأنا أحب إليك من كل شئ } (11) تفسير ابن كثير ج4 ص 203
                             
  **********************************

   (4)  صفة خلق آدم عليه السلام: هداية الحيارى الباب الأول

 صفة خلق آدم عليه السلام
قال تعالى: [وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ] {البقرة:30}
وقال  جل شأنه -: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا] {النساء:1}
وقال  جل وعلا -: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ] {الحجرات:13}
هذا ولقد ورد ذكر آدم  عليه السلام  في القرآن الكريم خمسا وعشرين مرة في خمس وعشرين آية، حيث ورد ذكره  عليه السلام  في سور:-
-        البقرة: خمس مرات الآيات: 31  33  34  35  37 
-        آل عمران: مرتين الآيات: 33  59 
-        المائدة: مرة واحدة الآية  27 
-        الأعراف: سبع مرات: الآيات: 11  19  26  27  31  35  172 
-        الإسراء: مرتين: 61  70 
-        الكهف: مرة واحدة الآية: - 50 
-        مريم: مرة واحدة الآية: - 58 
-        طه: خمس مرات الآيات: 115  116  117  120  121 
-        يس: مرة واحدة الآية: - 60  (1) الموسوعة الذهبية للعلوم الإسلامية: د/ فاطمة محجوب ج1 ص 426
كما اختلفت الآيات فيما بدئ به خلق آدم  عليه السلام  ففي موضع تشير إلى أنه خلق من تراب، فقد قال تعالى: [إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ] {آل عمران:59}
وفي موضع آخر تشير إلى انه قد خلق من طين لازب قال تعالى: [وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا] {الإسراء:61}
وفي موضع ثالث تشير إلى أنه قد خلق من حمأ مسنون قال  جل وعلا شأنه  [وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ] {الحجر:26}
وبتدبر تلك الآيات ندرك أن جسد أدم عليه السلام قد مر بعدة مراحل قبل دخول الروح فيه فقد خلق  الحق تبارك وتعالى آدم عليه السلام من: تراب ثم تحول إلى طينا لازب ثم تحول إلى حمأ مسنون، ثم صار صلصالا كالفخار.
أما عن سبب التسمية بآدم فقد قال الراغب الأصفهاني: آدم أبو البشر، قيل سمي بذلك لكون جسده من أديم الأرض، وقيل لسمره في لونه، يقال رجل آدم نحو أسمر، وقيل سمي بذلك لكونه من عناصر مختلفة وقوى متفرقة، كما قال تعالى [إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا] {الإنسان:2}   
ويقال جعلت فلانا أدمة أهلي أي خلطته بهم، وقيل سمي بذلك لما طيب به من الروح المنفوخ فيه المذكور في قوله تعالى: [فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ] {الحجر:29} وجعل له به الفهم والعقل والروية التي فضل بها على غيره، كما قال تعالى: [وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا] {الإسراء:70} وذلك من قولهم الإدام وهو ما يطيب به الطعام، وفي الحديث الشريف: ( لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ) أي يؤلف ويطيب (2) د/ فاطمة محجوب: مرجع سابق ج 1 ص 424
أما عن الأحاديث التي ذكرت خلق آدم  عليه السلام  فمنها قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ):
[ خلق آدم وطوله ستون ذراعا، ثم قال: اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة، فاستمع ما يحيونك به، فهي تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله، فكل منْ يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن. ](3) فتح الباري: ابن حجر ج 6 ص 417 حديث 3326  
وقال  صلى الله عليه وسلم  [ إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأبيض والأحمر و الأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب والسهل والحزن وبين ذلك ] (4) المسند: الإمام/ احمد بن حنبل ج4 ص 400
وقال  صلى الله عليه وسلم  [ لما خلق الله آدم تركه ما شاء أن يدعه، فجعل إبليس يطيف به، فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك ] (5) المسند: الإمام/ احمد ج3 ص 152
وقال  صلى الله عليه وسلم  [ لما نفخ في آدم فبلغ الروح رأسه عطس، فقال: الحمد لله رب العالمين، فقال له تبارك وتعالى: يرحمك الله ](6) قصص الأنبياء ابن كثير ص 41
وقال  صلى الله عليه وسلم  [ إن الله خلق آدم من تراب، ثم جعله طينا ثم تركه، حتى إذا كان حمأ مسنون، خلقه الله وصوره، ثم تركه حتى إذا كان صلصالا كالفخار، قال: فكان إبليس يمر به فيقول: لقد خلقت لأمر عظيم، ثم نفخ الله فيه من روحه، فكان أول ما جرى فيه الروح بصره وخياشيمه، فعطس، فلقاه الله رحمة به، فقال الله: يرحمك ربك، ثم قال له: يا آدم اذهب إلى هؤلاء النفر من الملائكة، فقل لهم فانظر ماذا يقولون؟ فجاء فسلم عليهم، فقالوا: عليك السلام ورحمة الله وبركاته، فقال: يا آدم هذه تحيتك وتحية ذريتك، قال: يارب وما ذريتي ؟! قال: اختر يدي يا آدم، قال: اختار يمين
ربي، وكلتا يدي ربي يمين، فبسط كفه، فإذا به منْ هو كائن من ذريته في كف الرحمن، فإذا رجال منهم أفواههم النور، وإذا رجل يعجب آدم نوره، قال: يارب منْ هذا ؟! قال: ابنك داود، قال: يارب فكم جعلت له من العمر؟ قال: جعلت له ستين سنة، قال: يارب أتم له من عمري حتى يكون عمره مائة سنة، ففعل الله ذلك، وأشهد على ذلك، فلما تقدم عمر آدم، بعث الله له ملك الموت، فقال آدم: أو لم يبق من عمري أربعين سنة ؟! قال الملك: أو لم تعطها ابنك داود ؟! فجحد آدم فجحدت ذريته، ونسى آدم فنست ذريته ] (7) المسند: الإمام/ أحمد ج 2 ص 251
وقال  صلى الله عليه وسلم  [ كان طول آدم ستين زراعا في سبع أزرع عرضا ] (8) المسند: مرجع سابق ج2 ص 535
تلك هي بعض الأحاديث النبوية الشريفة، التي تناولت خلق آدم عليه السلام.    

***********************************


     (5) كيف خُلق آدم؟ هداية الحيارى الباب الأول

كيف ُخلق آدم:-
فبعد أن خلق الله الكون بمشتملاته العديدة، التي قدرها  الحق تبارك وتعالي - أراد أن يعمر ذلك الكون ، فأوحي إلي الأرض أني خالق  منك خلقا ، منهم منْ يطيعني ، ومنهم منْ يعصاني ، فمنْ أطاعني أدخلته الجنة ، ومنْ عصاني أدخلته النار ، ثم بعث إليها جبريل  - عليه السلام -  ليأتي بقبضة من تراب الأرض ، فلما آتاها جبريل ليقبض منها القبضة ، قالت له الأرض: إني أعوز بعزة الذي أرسلك أن تأخذ مني شيئا يكون فيه غدا للنار نصيب .
 فيرجع جبريل إلي ربه ، ولم يأخذ منها شيئا ، وقال : يا رب استعاذت بك ، فكرهت أن أقدم عليها.
 فأمر الله  عز وجل - ميكائيل - عليه السلام -  ، فأتي الأرض ، فاستعاذت بالله ولم يأخذ منها
شيئا، كما فعلت مع جبريل - عليه السلام  ، فرجع ميكائيل إلي ربه، ولم يأخذ منها شيئا.
فبعث الله  ملك الموت ،فأتي الأرض فاستعاذت بالله ، أن يأخذ منها شيئا ، فقال  ملك الموت : واني أعوز بالله أن اعصي له أمرا ، فقبض قبضة من زواياها الأربع ، من أديمها الأعلى ، ومن سبختها وطينها ، وأحمرها وأسودها وأبيضها ، وسهلها وحزنها ،  فكان ذلك الاختلاف  في ذرية آدم حيث كان منهم: الطيب والخبيث ، والصالح والطالح ، والجميل والقبيح ، وكذلك اختلفت صورهم وألوانهم.
قال تعالي: [وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ] {الرُّوم:22}  
 ثم صعد بقبضة التراب ملك الموت إلي الله - جلت قدرته - فأمره أن يجعلها طينا ويخمرها فعجنها بالماء المر والعذب والملح ، حتى جعلها طينا ، وخمرها ، فلذلك اختلفت أخلاقهم ، ثم تركها أربعين سنة ، حتى صارت طينا لازبا لينا ، - واللازب هو الذي يلزق بعضه بعضا  ثم تركها أربعين سنة حتى صارت صلصالا كالفخار ، وهو الطين اليابس ، إذا ضربته بيدك صلصل  محدثا صوتا  ليعلم أن أمره بالصنع والقدرة ، لا بالطبع والحيلة ، فإن الطين اليابس لا ينقاد ، ولا يتأتى تشكيله ، ثم جعله جسدا ، وألقاه علي طريق الملائكة ، التي تهبط إلي السماء ، وتصعد منها أربعين سنة ، فذلك قوله تعالي : [هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا] {الإنسان:1}  
 قال ابن عباس : الإنسان آدم ، والحين أربعون سنة ، كان آدم جسدا ملقيا علي باب الجنة ( الترمذي)فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه، وكان أشدهم منه فزعا إبليس، فكان إذا مر به فيضربه، فيصوت الجسد كما يصوت الفخار ، فيكون له صلصلة ، فذلك قوله تعالى حين يقول : [خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالفَخَّارِ] {الرَّحمن:14}
 وكان إبليس يقول : لأمر ما خلقت ، ودخل في فيه ، وخرج من دبره ، وقال للملائكة لا ترهبوا من هذا ، فان ربكم صمد ، وهذا أجوف ، ولئن سلطت عليه لأهلكته .
روي أنس ابن مالك أن النبي (صلي الله عليه وسلم ) قال : ((لما خلق الله آدم ،تركه ما شاء أن يدعه ، فجعل إبليس يطف به ؛ فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك)) المسند: الإمام أحمد بن حنبل.
وسأل عبد الله بن سلام رسول الله (صلي الله عليه وسلم ) : كيف خلق الله آدم عليه السلام ؟ فقال : (( خلق رأس آدم وجبهته من تراب الكعبة ، وصدره وظهره من بيت المقدس ، وفخذيه من اليمن ، وساقيه من أرض مصر ، وقدميه من أرض الحجاز ، ويده اليمني من ارض المشرق ، ويده اليسرى من أرض المغرب ، ثم ألقاه علي باب الجنة ، فكلما مر عليه ملأ من الملائكة عجبوا من حسن صورته ، وطول قامته ، ولم يكونوا قبل ذلك رأوا شيئا يشبهه من الصور .
هذا عن خلق جسد آدم قبل دخول الروح إليه.
 أما نفخ الروح : - قال العلماء : لما أرد الحق - تبارك وتعالي  أن ينفخ الروح في آدم ، أمرها أن تدخل فيه ، فقالت الروح : مدخل مظلم بعيد القعر  فقال للروح الثانية ، فقالت مثل ذلك ، وكذلك ثالثة ، إلي أن قال في الرابعة أدخلي كرها ، وأخرجي كرها فلما أمرها  سبحانه وتعالي  بذلك ، دخلت في فيه ، فأول ما نفخ فيه الروح دخلت من دماغه ، فاستدارت فيه مقدار مائتي عام ، ثم نزلت في عينيه ، والحكمة في ذلك ، أن الله  تعالي  أراد أن يري آدم بدء خلقه وأصله ، حتى إذا تتابعت عله الكرامات ، لا يدخله الزهو ولا العجب في نفسه.
 ثم نزلت الروح في خياشيمه ، فعطس ، فحين فراغه من عطا سه ، نزلت الروح إلي فيه ولسانه ، فلقنه الله تعالي أن قال: الحمد لله رب العالمين ، فكان ذلك أول ما جري علي لسانه ، فأجابه الله- عز وجل - يرحمك الله يا آدم للرحمة خلقتك ، ثم نزلت الروح إلي صدره وشرايينه ، فأخذ يعالج القيام ، فلم يمكنه ذلك ، وذلك قوله تعالي [وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولًا] {الإسراء:11}  وقوله تعالي [خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ] {الأنبياء:37}  فلما وصلت الروح إلي جوفه اشتهي الطعام ، فهو أول حرص دخل جوف آدم - عليه السلام -.
 وذكر الترمذي أن رسول الله (صلي الله عليه وسلم) قال))لما خلق الله آدم ، مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلي يوم القيامة ، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وميضا ((بريقا)) من نور ، ثم عرضهم علي آدم ، فقال: يا آدم هؤلاء ذريتك ، وإذا فيهم الأجذم والأبرص والأعمى و أنواع الأسقام فقال آدم : يا رب لما فعلت هذا بذريتي؟! قال: كي تشكر نعمتي. الترمذي.
فلما أتم الله خلق آدم عليه السلام ، ونفخ فيه الروح ،قرظه وشقه وصوره وختمه ، وأنطقه وألبسه من لباس الجنة ، وزينة بأنواع الزينة ، يخرج من ثنياه نور كشعاع الشمس ، ثم رفعه علي سرير ، وحمله علي أكتاف الملائكة ، وقال لهم : طوفوا به في سماواتي ليري عجائبها وما فيها ، فيزداد يقينا ، فقالت الملائكة : لبيك ربنا سمعنا وأطعنا.
 فحملته الملائكة علي أعناقهم ، وطافت به السموات مقدار مائة عام ، حتى وقف علي كل آياتها وعجائبها ، ثم خلق  الله تعالى - فرسا من المسك الأذفر ، يقال له الميمون له جناحان من الدر والجوهر ، فركبه آدم - عليه السلام - ،وجبريل أخذ بلجامه ، وميكائيل عن يمينه ، واسرافيل عن شماله ، فطافوا به السموات كلها ، وهو يقول السلام عليكم يا ملائكة الله فيقولون : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته 
فقال الله - تعالي- لآدم : هذه تحيتك ، وتحية المؤمنين من ذريتك فيما بينهم إلي يوم القيامة. دراسات في التفسير الموضوعي للقصص القرآني: د/ احمد العمري ص 119  
ولهذا السياق الذي أوردنا ليعبر عن كيفية خلق آدم شاهد من الأحاديث النبوية مثل ما تقدم ، وإن كان أغلب ما ورد في ذلك من الاسرائليات ويعلق د/ محمد وصفي علي القول بأن خلق الإنسان قائلا: ونعتقد أن خلق الإنسان من طين يندرج تحت باب العقائد ، وقد أثبت العلم الحديث هذه الحقيقة ، فقد وجد أن الجسم الإنساني ، يتكون من سلالة خاصة من عناصر القشرة الأرضية بنسب خاصة ، قال تعالي:[وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ] {الحجر:28} والمعروف أن لفظ الصلصال يشير إلي أجزاء التربة الخصبة الغنية بالعناصر ، التي ينمو فيها النبات نموا طبيعيا طيبا ، وغنية بالعناصر الستة عشر التي اختيرت من الستة وتسعين عنصرا المعروفة اليوم . الموسوعة الذهبية للعلوم الإسلامية: د/ فاطمة محجوب ج1 ص 432
هذا ما يتصل بقصة خلق ـ آدم عليه السلام - ، وعن كيفية خلقه ، وكيفية دخول الروح فيه ، ذلك المخلوق الذي اقتضت إرادة الله أن يكون خليفته في الأرض ، يعمل علي عمارة ذلك الكون ، وفي نفس الوقت يلتزم بعبادة  الله- الذي خلقه بيديه ، ونفخ فيه من روحه ، وأوجده من عدم ، وسخر له كل ما في الكون ، من أجل ذلك الهدف ، كما أسجد له ملائكته ، وفضله عليهم ، كل ذلك من أجل حقيقة ثابتة ألا وهي عبادة الله تعالي..                                    

***********************************



(6) صفة خلق حواء: هداية الحيارى الباب الأول
صفة خلق حواء
قال تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا] {النساء:1}
يقول الله  تعالى  آمراً خلقه بتقواه، وهي عبادته وحده لا شريك له، ومنبها لهم على قدرته التي خلقهم بها من نفس واحدة، وهي آدم  عليه السلام  ( وخلق منها زوجها ) وهي حواء  عليها السلام  خلقت من ضلعه الأيسر من خلفه، وهو نائم، فاستيقظ فرآها فأعجبته، فأنس إليها، وأنست إليه.
قال ابن عباس:
( خلقت المرأة من الرجل، فجًعلت نهمتها فيه، وخلق الرجل من الأرض فجًعل نهمته في الأرض، فاحبسوا نسائكم) تفسير ابن كثير ج 1 ص 424
وفي الحديث الصحيح: قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
{ إن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شئ في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن استمتعت بها، استمتعت بها وفيها عوج ) تفسير ابن كثير ج1 ص 424ح
ومما بلغنا عن أهل الكتاب:
إن الله ألقى السنّة على آدم فنام، فأخذ ضلعا من شقه الأيسر، ولأم مكانه لحما، وآدم نائم، لم يهب من نومه، حتى خلق الله من ضلعه تلك زوجته حواء، فسواها امرأة ليسكن إليها، فلما كُشف عن آدم السنّة، وهب من نومه، رآها إلى جنبه، فقال  فيما يزعمون  والله أعلم  لحمي ودمي وزوجتي، فسكن إليها ) تفسير ابن كثير ج1 ص 76
ومما حكاه السدي عن ابن عباس:
أُخرج إبليس من الجنة، وأُسكن آدم الجنة، فكان يمشي فيها وحشيا، ليس له زوج يسكن إليه، فنام نومه، فاستيقظ، وعند رأسه امرأة قاعدة، خلقها الله من ضلعه، فسألها منْ أنت ؟ قالت: امرأة. قالت الملائكة _ ينظرون ما بلغ من علمه  ما اسمها يا آدم ؟! قال: حواء، قالوا: ولما حواء؟! قال: إنها خلقت من شئ حي. تفسير ابن كثير ج 1 ص 76.
وفي الصحيحين من حديث زائدة:
أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال:
{ استوصوا بالنساء خير، فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإن أعوج شئ في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا } البداية والنهاية: ابن كثير ج1 ص 25.
ومن هنا يتضح لنا أن حواء عبارة عن جزء، خلق من الكل ألا وهو آدم  عليه السلام- وأن آدم خلق من التراب، أما حواء فخلقت من شئ حي نابض بالحياة، ألا وهو آدم، فحواء خلقت من احد أضلع آدم  عليه السلام  وصورها  الله تعالى  في جسم أنثى، كما اقتضت مشيئته  تعالى  أن يخلق آدم من تراب، ويصوره رجلا.
هذا ويرى د/ محمد وصفي رأيا آخر في مسألة خلق حواء:
فهو يرى أن حواء خلقت من نفس العناصر التي خلق منها آدم، وأن نفسها نفس إنسانية، فهي من الجنس البشري وليست من جنس الملائكة أو الجن أو الحيوانات، فالله خلق زوج آدم من نفس آدم، كما خلق لنا من أنفسنا أزواجا قال تعالى: [وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ] {الرُّوم:21}
أما ما يتعلق بالأحاديث النبوية الشريفة: التي ترى أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر، فيرد على ذلك بقوله: إنها ذات معنى مجازي، وهو أن المرأة قد خلقت أنثى لها الخليقة والعقلية والنفسية الخاصة بأنوثتها، والتي يعتبرها البعض شذوذا أو انحرافا، إذا حاول مقارنتها بالصفات المميزة للرجولة. الموسوعة الذهبية للعلوم الإسلامية: مرجع سابق ج1 ص 434
وجاء في العهد القديم فيما يخص خلق حواء ما نصه:
[ فأوقع الرب الإله سُباتا على آدم فنام، فأخذ واحدة من أضلعه، وملأ مكانها لحما، وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة وأحضرها إلى آدم. ] سفر التكوين: - 20  21  22 
وفي عقيدة الهندوس يُقال:
[ إن الإله براهما خلق جسما عملاقا وعملاقة متعانقين ثم نفخ في الجسم العملاق، فإذا به ينشق نصفين: نصفا لرجل، ونصفا لامرأة، واجتمع الزوجان، وكان من نسلهما البشر] كتاب الهندوس المقدس: هنوسمرتي النص 32 ص 20
هذا ما ورد في خلق حواء  عليها السلام  وبعض أوجه الخلاف حول خلقها، ولكن مهما يكن من أمر، فهي أول امرأة خلقها الله  سبحانه وتعالى  وثاني المخلوقات بعد آدم  عليه السلام  وهي لذلك تُعتبر أم البشر جميعا، مثلما آدم أبو البشر جميعا، ولقد خلقها  الله جل وعلا  لكي تؤنس آدم في الجنة، ومن نسلمها تكون البشرية، وتعمر الأرض بهم.
كما أن الخلاف حول خلق حواء لا مسوغ له، وذلك لأنه لا اجتهاد مع وجود نص، ولدينا أكثر من حديث صحيح يؤكد أن حواء خلقت من أحد أضلع آدم  عليه السلام  وبالتالي فلا مبرر لذلك الخلاف، كما لا يجوز حمل الأحاديث على غير معناها بالقول أنها ذات معنى مجازي فحواء جزء من آدم، ومن الطبيعي أن يحمل الجزء صفات الكل، ومن هنا تكن العناصر التي خلقت منها حواء هي ذات العناصر التي خلق منها آدم، وكذلك الروح التي في جسد آدم هي ذات الروح التي في جسد حواء، وعلى ذلك فالخلاف لا أصل له، فغصن الشجرة يحمل نفس الصفات التي تشتمل عليها الشجرة.

**********************************



(7) يوميات من حياة آدم وحواء في الجنة  والهبوط من الجنة إلى الأرض:
قال تعالى: [وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ(30) وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ(32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ(33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ(34) وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ(35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ(36) فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(39) ]. {البقرة}.
تتضمن تلك الآيات الكريمة المراحل الخمسة، التي مر بها كل من:آدم وحواء  عليهما السلام  خلال المدة التي عاشاها فيما بين الجنة والأرض، وذلك على النحو التالي:
أولا مرحلة الخلق: أي مرحلة خلق كل من: آدم وحواء - عليهما السلام - وقد سبق الحديث عنها.
ثانيا مرحلة التكريم:
وفي تلك المرحلة أعلن الحق  تبارك وتعالى  تكريمه لآدم على أفضل خلقه من الملائكة والجن، فقد أخبرهم  سبحانه وتعالى  أنه قد اتخذ آدم  عليه السلام  خليفة له في الأرض، ثم طلب منهم السجود لذلك الخليفة، الذي خلقه الله  جل في علاه  بيده، ونفخ فيه من روحه، فصدر منهم استفسار بأن ذلك الخليفة، قد يكون مثل منْ سبقوه، والذين اتصفوا بالفساد، وسفك الدماء، فكان الرد المقنع من قبل الحق  تبارك وتعالى  وهو أن الله اعلم منهم بكل ما يدور في ذلك الكون، ويصلح له، ولإظهار عجزهم أمام قدرة الله طلب منهم الخالق  جل وعلا  ذكر أسماء بعض الأشياء، فظهر عجزهم، وحدود قدرتهم، بأنهم لا يعرفون إلا القدر الذي أخبرهم به المولى  سبحانه وتعالى  وهنا طلب الحق  تبارك وتعالى  من ذلك الخليفة ( آدم  عليه السلام ) أن يخبرهم ما جهلوا، فيفعل، ومن ثمة يظهر استحقاقه للتكريم عليهم، واستحقاقه أن تسجد له الملائكة، فسجدوا له سجود تحية على الأمر من الله، واليقين بأنه يستحق ذلك السجود بعد تفوقه عليهم في العلم.
ثالثا: مرحلة دخول الجنة:-
وفي تلك المرحلة أدخل الله  سبحانه وتعالى  آدم  عليه السلام  الجنة، وطلب منه الإقامة فيها، والتمتع بكل ما فيها من خيرات دون الاقتراب من شجرة بعينها قيل أنها شجرة  الحنطة  وقيل غيرها، وجعل له سرير من الجوهر، له سبعمائة قاعدة من الياقوت الأحمر، وعليه فراش من السندس الأخضر، فكان ذلك مقامه هو وحواء، فكان إذا أراد المجامعة مع حواء، دخل قبة من اللؤلؤ والزبرجد، وأُسبلت عليهم ستور من السندس والإستبرق.
رابعا: مرحلة المعصية والخروج من الجنة:
وفي تلك المرحلة عصى  آدم  عليه السلام  ربه الذي خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسكنه جنته، فقد طلب منه الخالق  جل وعلا  أن يأكل من كل أشجار وثمار الجنة باستثناء شجرة واحدة قيل أنها: ( ثمار العنب  وقيل النخيل  وقيل الحنطة ) لا يقربها، ولا يأكل منها، ولكن الشيطان تمكن من خداع آدم  عليه السلام  فأكل من الشجرة  المحرمة عليه مخالفا بذلك لأمر الله  تعالى  فوجب عليه أن يحصل على عقاب على ذلك بالخروج من الجنة، قال تعالى [فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى] {طه:120}
فلما ذاق آدم وحواء  عليهما السلام- الشجرة انكشفت سؤآتهما، ووجب من الجنة خروجهما، قال تعالى [فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ] {الأعراف:22} 
خامسا: مرحلة التوبة في الأرض دار العقاب:
وفي تلك المرحلة تاب الله  عز وجل  على آدم وحواء  عليهما السلام- ورحمهما بأن قبل توبتهما على ما ارتكباه من ذنب ومعصية، للمولى  سبحانه وتعالى  قال تعالى: وناداهما [وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ] قالا ربنا [قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ] {الأعراف22 :23} [فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ] {البقرة:37}
تلك هي المراحل الخمس التي مر بها كل من آدم وحواء  عليهما السلام  والتي تناولتها الأيات الكريمة.
مدونة تخاريف المخرفاتي:
علاء محمد إسماعيل: Alfahd99999.maktoobblog.com

ابن إياس ويوميات آدم وحواء  - عليهما السلام -:
ومما ذكره ابن إياس متعلقا بيوميات آدم وحواء - عليهما السلام 
يقول ابن إياس: أعطى الله حواء حسن ألف جارية، فكانت أحسن النساء الاتي هن بناتها إلى يوم القيامة، وكان لها سبعمائة ضفيرة من الشعر، فكانت على طول آدم، وألبسها الله من الجنة الحلي والحلل، فكانت تُشرق إشراقا أبهى من الشمس، فإنتبه آدم من منامه فوجدها بجانبه، فأعجبته، وألقى الشهوة في آدم فهم بها، فقيل له لا تفعل حتى تؤتي صداقها، فقال: وما صداقها ؟! قال: نهيتك عن شجرة الحنطة. فلا تأكل منها فهو صداقها!
ثم مسح الله  تعالى  على ظهر آدم فأخرج من ذريته كهيئة الدر، ما بين أبيض وأسود من ذكر وأنثى، وأفاض عليهم من نوره، فمنْ أصاب من ذلك النور كان مؤمناً، ومنْ لم يصبه كان كافراً، ومنهم طائفة لها نور ساطع، فقال: يارب منْ هؤلاء ؟! قال: الأنبياء من ذريتك يا آدم.
ثم زوج الله آدم بحواء، وكان ذلك يوم الجمعة بعد الزوال، ولهذا سن عقد التزويج يوم الجمعة، وقيل كان آدم أحسن من حواء، ولكن كانت حواء ألطف وألين، ثم أوحى الله  تعالى  إلى رضوان خازن الجنان: أن يزخرف القصور، ويزين الولدان والحور.
وخلق لآدم فرساً من المسك الأزفر يسمى الميمون كالبراق الخاطف، فلما أُحضر بين يدي آدم ركبه، وأُحضر لحواء ناقة من نوق الجنة، وعليها هودج من اللؤلؤ، فركبت فيه على الناقة، فأخذ جبريل  عليه السلام  بلجام الفرس، ومشى ميكائيل عن يمينه، وإسرافيل عن يساره، وطافوا به في السموات كلها، وهو يسلم على منْ يمر به من الملائكة، فتقول ما اكرمك من خلق الله على الله  تعالى  هذا وحواء راكبة الناقة تطوف معه، إلى أن أتوا بهما إلى باب الجنة، فوقفوا ببابها ساعة، فأوحى الله  تعالى  إلى آدم: أنة هذه جنتي، ودار كرامتي [وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ] {البقرة:35}
وأشهد عليهم الملائكة، ثم أُدخلا الجنة، فطافت بهما الملائكة في الجنات، وأرتهما اماكن الأنبياء جميعا، فلما وصلا إلى الفردوس، نظرا سريراً من الجوهر له سبعمائة قاعدة من الياقوت الأحمر، وعليه فراش من السندس الأخضر.
فقالت الملائكة: يا آدم ههنا إنزل أنت وحواء، فنزلا وجلسا على ذلك السرير، ثم أتوهما بقطفين من العنب، فكان كل قطف مسيرة يومٍ وليلة، فأكلا وشربا ورتعا في الجنة، فكان آدم إذا أراد المجامعة مع حواء، دخلا في قبة من اللؤلؤ والزبرجد، وأسبلت عليهما ستور من السندس والإستبرق، وكان آدم يطوف في الجنة، فإذا جاء إلى جهة شجرة الحنطة، نفر منها للعهد الذي بينه وبين الله  تعالى  بعدم الأكل منها،وكانت شجرة الحنطة أعظم أشجار الجنة، ولها سنابل، وفيها حب كل حبة قدر رأس البعير، وكانت أحلى من العسل وأبيض من اللبن.
ولما علم إبليس بدخول آدم وحواء الجنة، وعلم أن آدم مُنع من الحنطة، أتى إلى باب الجنة، وأقام عند بابها نحو ثلاثمائة سنه، وهي ساعة من ساعات الآخرة، فكان إبليس ينظر إلى منْ يأتي جهة باب الجنة، فجاء طائر مليح الملبوس يُقال له الطاووس، وكان سيد طيور الجنة، فلما رآه إبليس تقدم إليه، وقال: أيها الطائر المبارك من أين جئت؟! فقال: من بساتين آدم، فقال إبليس: إن لك عندي نصيحة، وأريد أن تُدخلني معك، فقال: ولِمَ لا تدخل بنفسك ؟! فقال: إنما أريد أن أدخل سراًً.
فقال الطاووس: لا سبيل لي إلى ذلك، ولكن أتيك بمنْ يُدخلك سراً، فذهب الطاووس إلى الحية. ولم يكن في الجنة أحسن منها خلقا، فكان رأسها من الياقوت الأحمر، وعيناها من الزبرجد الأخضر، ولسانها من الكافور، وقوائمها مثل قوائم البعير، فقال لها الطاووس: إن على باب الجنة ملكا من المكرمين، ومعه نصيحة، فأسرعت الحية إليه، فقال: هل لك أن تدخليني الجنة سرا؟! ولك مني النصيحة ؟! فقالت الحية: وكيف الحيلة على رضوان؟!
فقال لها: أفتحي فاك، ففتحته، فدخل فيه إبليس، وقال لها: ضعيني عند شجرة الحنطة، فوضعته عندها، فأخرج إبليس مزماراً، وزمر تزميراً مطرباً، فلما سمع آدم وحواء المزمار، جاءا ليسمعا ذلك، فلما وصلا إلى شجرة الحنطة، قال إبليس: تقدم إلى هذه الشجرة يا آدم، فقال: إني ممنوع، فقال إبليس: [ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخَالِدِينَ] {الأعراف:20}
فإن منْ يأكل من هذه الشجرة لا يشيب ولا يهرم، ثم أقسم بالله أنها لا تضُرهما، وإنه لمنْ الناصحين لهما، فظن آدم أنه لا يتجاسر أحد على أن يحلف بالله كذبا، وظن أنه من الناصحين، وقد قيل في هذا المعنى شعرا:
  فإن منْ يستنصح الأعادي                                                 يردونه بالغش والفساد.
فمن حرص حواء على الخلود في الجنة، تقدمت وأكلت من الشجرة، فلما نظر آدم إليها حين أكلت ووجدها سالمة، تقدم وأكل بعدها، فلما وصلت الحبة إلى جوفه طار التاج عن رأسه، وطارت الحُلل أيضا، ثم أوحى الله – تعالى – إلى جبريل – عليه السلام- بأن يقبض على ناصية آدم وحواء، ويخرجهما من الجنة، فأخرجهما جبريل من الجنة، ونودي عليهما بالمعصية.
فكان آدم وحواء عريانين، فطافا على أشجار الجنة يستترا بأوراقها، فكانت الأشجار تنفر منهما، ورحمتهما شجرة التين فغطتهما، وقيل شجرة العود، وقيل شجرة الحناء.
ثم إن جبريل أخذ بيد آدم وهو عريان مكشوف الرأس، فهبط به إلى الأرض عند غروب الشمس من يوم الجمعة، فأُهبط على جبل الراهون في الهند، أما حواء فقد ذهب عنها حسنها وجمالها، واُبتليت بالحيض، وانقطع عنها ذكر النسب، فيقال: أولاد آدم، ولا يُقال أولاد حواء، لأنها غرت آدم مع إبليس حيث ابتدأت بالأكل، واُهبطت حواء عند ساحل البحر المالح بجده.
واما إبليس اللعين فخرج عن طور الملائكة، وصار شيطانا رجيما، فلما اُهبط من الجنة نزل بأرض العراق نحو البصرة، واما الطاووس فإنه ذهبت عنه الجواهر، وبعض الحسن واُهبط إلى الأرض أيضا ونزل بأرض بابل، وقيل بأرض أنطاكية، وأما الحية فمُسخ شكلها، وصار فيها السم وخرس لسانها، وصارت تمشي على بطنها زحفاً، ونزلت الأرض بأصبهان.
ابن عباس  رضي الله عنهما  ويوميات آدم وحواء - عليهما السلام - في الجنة:
قال ابن عباس: كانت إقامة آدم وحواء في الجنة مدة نصف يوم من أيام الآخرة،وهو مقدار
خمسمائة عام من أعوام الدنيا، ولقد مكث آدم في الأرض ثلاثمائة عام، لم يرفع رأسه إلى السماء حياء من الله  سبحانه وتعالى  وأقام يبكي نحو مائتي عام، فنبت العشب من دموعه، وصارت الطيور والوحوش تشرب من دموعه، ثم إن آدم شكا إلى جبريل العُري وحر الشمس، فمضى جبريل إلى حواء ومعه كبش من الجنة، فقص من صوفه، ودفعه إلى حواء، وعلمها كيف تغزل الصوف، فلما علمها وغزلته، علمها كيف تنسجه، فنسجته عباءة، فأخذها جبريل ومضى بها إلى آدم، فستر بها جسده، ولم يقل له أنها من حواء.
ثم إنه شكا من الجوع، لأنه أقام أربعين سنة لم يأكل ولم يشرب، فمضى جبريل، وأتاه بثورين من الجنة، أحدهما أسود والآخر أحمر، وعلمه كيف يحرث، فحرث، ثم أتاه بكف من الحنطة، وعلمه كيف يزرع، فزرع، فنبت في الحال، وأسبل وأدرك آدم القمح من يومه، فعلمه جبريل كيف يحصد، فحصد، ثمقطع حجرين من الجبل، فطحن، فلما صار دقيقا، قال آدم: آكل ؟! فقال : اصبر، ثم مضى وأتاه بشراره نار من نار جهنم بعد غمسها في الماء سبع مرات، ولولا ذلك لأحرقت الأرض ومنْ عليها، ثم علمه جبريل كيف يخبز فخبز، ثم قال لجبريل آكل؟! فقال: اصبر حتى تغرب الشمس، فيتم الصوم، فكان آدم أول من صام على وجه الأرض --- ويُروى أن ىدم لما آكل الرغيف ادخر منه لليلة المقبلة، فقال له جبريل: لولا انك فعلت ذلك لما كان أحد من أولادك يدخر، فصار ذلك عادة لبني آدم.
وقال ابن عباس  رضى الله عنهما- كان ىدم إذا جاع نسى حواء، وإذا شبع ذكرها، فقال يوما لجبريل: يا جبريل هل حواء على قيد الحياة أم ماتت؟! فقال: بل على قيد الحياة، وأنها أصلح حالا منك، لأنها على ساحل البحر تصطاد الأسماك، وتأكل منها، فقال آدم: يا جبريل إني رأيتها في منامي في هذه الليلة، فقال جبريل: يا ىدم أبشر، فما أراك  الله  إياها غلا لقرب الإجتماع.
ثم أوحى الله إلى آدم ان إرحل من أرض الهند إلى مكه، وطف حول مكان البيت، واسألني
المغفرة، فأغفر لك خطيئتك، ثم أرسل الله  لآدم ملكا يقوده ويرشده إلى طريق مكه، وأنزل عليه عصا من شجرة الأس طولها عشرون زراعا، وهي من أشجار الجنة، فكان يمشي فتُطوى له الأرض، فصار كل مكان وضع عليه قدمه قرية، فلما دخل آدم مكه.
أوحى  الله تالى  إليه ان طوف بالبيت، فطاف به سبعا مكشوف الرأس عُريان الجسد، وذلك سنة الحج  ثم امره الله تعالى  ان يخرج إلى جبل عرفات، فإذا به بحواء قد أقبلت نحوه، فاجتمعا على ذلك الجبل، فمن يومئذ صار الوقوف على ذلك الجبل سنة الحاج.
ولقد أنزل اله  تعالى  على آدم ثمانية أزواج من الأنعام: من الضأن اثنين، ومن المعز اثنين، وأمره أن يشرب من ألبانها، ويكتسي من أصوافها، ثم أنزل الله  تعالى  على آدم إحدى وعشرين صحيفة، فيها تحريم:الميتة والدم ولحم الخنزير وغير لك، وأنزل عليه حروف الهجاء، وهي تسعة وعشرون حرفا فتعلمها آدم لأجل أن يقرأ الصحف، هذا ما أورده ابن اياس متعلقا بحياة آدم في الجنة، ثم ما عاشه على الأرض. (1)بدائع الزهور في وقائع الدهور ص 31 وما بعدها.
أما عن عمر آدم وحواء: فقد عاش كل منهما ألف عام، ثم مات آدم، وبعده بعام ماتت حواء(1) أشهر النساء في التاريخ: أحمد الجبالي ص 02
وفي الحديث الشريف يقول رسول الله  صلى الله عليه وسلم 
 ( إن أباكم ىدم كان كالنخلة السوق، ستون زراعا، كثير الشعر، موارى العورة، فلما أصابته الخطيئة في الجنة، بدت له سوآته، فخرج من الجنة، فلقيته شجرة، فأخذت بناصيته، فناداه ربه: أفرارا مني يا آدم ؟! فقال: بل حياء منك يا رب مما جئت به )
( أمر الله ملكين أن يخرجا آدم من جواره، فنزع جبريل التاج عن رأسه، وحل ميكائيل الأكليل عن جبينه، وتعلق بغصن، فظن آدم أنه قد عوجل بالعقوبة، فنكس رأسه يقول: العفو العفو)
( إن الله حين أهبط آدم من الجنة إلى الأرض، علمه صنعة لك شئ، وزوده من ثمار كل شئ، فثماركم من ثمار الجنة، غير أن هذه تتغير، وتلك لا تتغير)
( مكث آدم في الجنة مائة عام، - وفي رواية ستين عاماً  وبكى على الجنة سبعين عاماً، وعلى خطيئته سبعين عاماً )


( ما أسكن آدم الجنة، إلا ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس )صدق رسول الله  صلى الله عليه وسلم -(2) الحديث النبوي والتأريخ: د/ أحمد العمري ص 213، 214


**********************************


 (8) أول جريمة قتل وأثر المرأة فيها:
قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  :
( لولا بني إسرائيل لم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها )(0) فتح الباري: ج 5 ص307 حديث رقم 3330
وقال  صلى الله عليه وسلم -:
( استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإن أعوج شئ في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا ) (1) فتح الباري: حديث رقم 2220
قال تعالى: [وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ(27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ(28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ(29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الخَاسِرِينَ(30) فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ(31) ]. {المائدة}.
ففي تلك الآيات يوضح لنا الحق  تبارك وتعالى  قصة الصراع الذي نشب بين أخوين بسب إمرأة، وما ترتب على ذلك الصراع من نتائج وعواقب، أدت إلى تغير العديد من معالم الأرض الخيرة، والطبيعة الخيرة، تلك الطبيعة البكر، التي لم تقترف أي ذنب أو اية معصية، وخلاصة تلك القصة كما جاء في كتب السير والتاريخ:
أن حواء  عليها السلام  كانت تلد في كل بطن اثنين ذكر وأنثى، وكان الحق  جل وعلا  قد آمر آدم  عليه السلام  بان يزوج أبناءه بطريقة عكسي، أي يزوج ابن البطن الأول لبنت البطن الثانية، وبنت البطن الأول لابن البطن الثانية.
ولما كانت حواء قد وضعت في البطن الأول كل من: قابيل مع أخته اقليمياء، وفي البطن الثانية وضعت كل من: هابيل مع اخته ليوذا، وبناء على الامر الإلهي: وجب على قابيل الزواج من ليوذا، كما وجب على هابيل الزواج من اقليمياء، وهنا برزت المشكلة، وتجلت الفتنة.
فقد كانت اقليمياء على درجة من الجمال أشد من ليوذا، ولذا برزت رغبة قابيل في الزواج من إقليمياء التي تحل له شرعا، وترك ليوذا التي تحل له شرعا.
وهنا تدخل الأب: آدم  عليه السلام- في الصراع الذي بدأ يطل برأسه بين الآخوين، وطلب منهما الإحتكام إلى الله  جل في علاه- والامتثال لأمره  سبحانه وتعالى  بأن يقدم كل منهما قرباناً إلى الله  تعالى  ومنْ يُقبل قربانه يكن أحق بالزواج  من اقليمياء، وبالفعل نفذ الطرفان.
فقدم هابيل كبشا عظيما من أجود أنواع غنمه حيث كان يعمل راعيا للغنم، بينما قدم قابيل صبرة ( حزمة ) قمح من أردا ما عنده، حتى أنه وجد فيها سنبلة طيبة فأكلها حيث كان يعمل زارعا، فجاء قضاء الله  جل في علاه  بتقبل القربان من هابيل، حيث قيل أنه نزلت نارا فأحرقت الكبش، وقيل صعد إلى السماء، حتى جاءت لحظة فداء إسماعيل  عليه السلام  من الذبح، فقُدم الكبش للسكين ليفتدي إسماعيل  عليه السلام -.
وهنا برزت رغبة قابيل في عدم الامتثال لأمر الله  تعالى  فقرر قتل أخيه هابيل، الذي أخبره أنه لن يقاومه إذا حاول قتله، وأنه قد أسلم نفسه لله  سبحانه وتعالى  فإذا ما حاول قابيل قتله، فلن يلقى أي مقاومة أو اعتراض من هابيل.
وبالفعل استغل قابيل غياب أبيه آدم، الذي كان في زيارة لمكه، وقام بقتل أخيه، وقد اخُتلف في كيفية قتل قابيل لهابيل، فقيل بأن ضربه بحجر وهونائم، فشج رأسه، وقيل انه خنقه، وقيل أنه شرع في عضه كما تفعل السباع، فلما قتله ظل يحمله في جراب على ظهره، قيل أربعين يوما وقيل أربعين سنة، لا يدري كيف يتصرف فيه، حتى بعث الله له غرابا، يحمل غراب آخر ميت، وشرع يواري عليه التراب حتى دفنه.
وهنا بدا قابيل يندم في وقت لا يجدي فيه الندم، ثم أخذ أخته اقليمياء وهرب بها، وهو يحمل وزر أخيه هابيل، الذي قتله بيديه، وفي ذات الوقت يحمل جزء من وزر قل قاتل يأتي بعده، لأنه أول منْ سن القتل في الأرض، ذلك إجمال مقتضب لتلك القصة. والتي دار فيها الصراع من أجل تعلق أحدهما بإمرأة، لا تحل له شرعا، وفي ذلك يقول القائل:
من فتنة النسوان كم يعصى الفتي          أمر الإله بطاعة الشيطان.
واللص لولاهم لم يك بائعا                   للروح منه بأبخس الأثمان
قابيل لولاهن لم يقتل أخا                     ولا رض بالذل والعصيان
وبهن صار لآدم مع يوسف                  فيما حكاه الله في القرآن
وكذلك هاروت ببابل منكاسا           ومعلق بالرجل في الجذعان
مجنون ليلى جُن في حب النسا              كل الذى يأتي من النسوان
فترى البلا يأتي منهن والوفا                لا يأتي منهن مدى الأزمان


كن ما استطعت من النساء بمعزلٍ   إن النساء حبائل الشيطان 








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق