السبت، 21 أبريل 2012

5– دفع الضر:---------------------------------- الباب الثالث: الإسلام والمرأة أولا: القيمة الإنسانية 5 – دفع الضر:

الباب الثالث: الإسلام والمرأة
أولا: القيمة الإنسانية

5 – دفع الضر:
والضُر الذي نقصده هنا، هو ذلك الضرر الذي يصيب إنسانية المرأة، فالأصل في الإسلام – لا ضرر ولا ضرار – أي لا يُلحق المرء الضرر بنفسه، ولا يُلحق الضرر بغيره، ولقد كان الضرر الواقع على المرأة قبل الإسلام يأخذ أشكالا عدة نحصرها فيما يلي:
 العصر الجاهلي
(أ) المرأة ميراث:
فلقد كان منتشراً في الجاهلية قبل الإسلام، أن الرجل إذا مات كان أولياؤه ( أهله وذوي قرابته ) كانوا يرثون زوجته ضمن ما يرثون من مال ومتاع، وكانوا أحق بها من أهلها، بل ومن نفسها، وإن شاءوا لم يزوجوها، وأمسكوها فهم أحق بها من أهلها ومن نفسها، فلا قدرة لها على تقرير مصيرها بعد موت زوجها.
(ب) العِضَــــل: والعضل فيه أقوال منها:
- إذا مات الرجل منهم في الجاهلية، وورث امرأته منْ يرث ماله، فكان يعضلها أي يحبسها حتى يرثها أو يزوجها منْ أراد.
- وقيل كان الرجل يسئ صحبة زوجته، فيُطلقها بعد أن يشترط عليها أن لا تنكح إلا منْ أراد حتى تتفدي منه نفسها ببعض ما أعطاها.
- وقيل هو إساءة الزوج لعشرة الزوجة،  لكي تترك له ما أصدقها، أو بعضه، أو تتنازل عن حق من حقوقها.
- وقيل كان الرجل ينكح المرأة الشريفة، فلعلها لا توافقه، فيفارقها على أن لا تتزوج إلا بإذنه، فيأتي بالشهود، ويكتب ذلك عليها، ويُشهد، فإذا جاء منْ يخطبها، فإن أعطت زوجها المفارق لها من المال أو أرضته أذن لها، وإلا عضلها، أي رفض زواجها، وحبسها عنده.
- وقيل كانوا إذا هلك الرجل وترك امرأة، حبسها أهلها على الصبي فيهم، فإن شاء تزوجها إن لم يكن ابنها، أو يُنحكها منْ شاء من إخوته أو ابن أخيه.
(ج) زواج المقت:
وهو أن يتزوج الابن زوجة أبيه، رغماً عنها وإن كانت غير راضية عن ذلك.

(د) الظهار:
وذلك بأن يقول الرجل لزوجته أنت عليً كظهر أمي.
(هـ) الإيلاء:
وذلك بأن يحلف الزوج على عدم معاشرة زوجته جنسياً، فتصبح الزوجة في كلا الحالتين الظهار والإيلاء محرمة عليه مع بقائها في عصمته، فلا هي زوجة، ولا هي مطلقة.
ولقد حرم الإسلام كل هذه الأشياء نظراً لفداحة الضرر الذي يقع على آدمية وإنسانية المرأة قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) (1) سورة النساء – 19 –
وقال – جل شأنه – (وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً) (2) سورة النساء – 22 –
وقال – تبارك وتعالى – (لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (3) سورة البقرة –226، 227
وقال – عز من قائل – (مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ الَّلائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) (4) سورة الأحزاب – 4 –
فما أروع وأعظم ذلك الدين الإسلامي الذي يحافظ على إنسانية المرأة، بدفع كل ما يخدش حياءها، والعمل على صيانة عرضها من كل ما يضر بها قولا أو فعلا قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (5) سورة النور – 23، 24 –
وقال – سبحانه وتعالى – (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (5) سورة النور – 4 -
وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ( اجتنبوا السبع الموبقات؟! قالوا: وما هن يا رسول الله ؟ قال: الشرك بالله و السحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ) (6) الكبائر.
أرأيت يا آمة الله ديناً يحافظ على كرامتك، وإنسانيتك ، وعرضك مثل دين الإسلام؟! أرأيت تشريعاً يدفع عنك الضرر مادياً وأدبياً ومعنوياً مثل تشريع الإسلام؟! أرأيت دستوراً يحافظ على آدميتك وشرفك وعزتك مثل القرآن الكريم؟! وسنة الرسول الكريم – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ؟! وأترك لك الإجابة على تلك التساؤلات.

وإليك أيتها الأخت الكريمة في الله قصة بسيطة توضح لك مدى سرعة الوحي بالنزول على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليدفع الضُر الذي نزل بإحدى النساء، نزولا على عادات الجاهلية، يحكي لنا التاريخ: أن السيدة/ جميل بنت يسار زوجها أخوها ووليها معقل بن يسار من رجل مسلم يُدعى أبو الدحداح، وكانت تحب زوجها حباً جماً، إلا أنه ذات يوم اختلف معها فطلقها، وعادت إلى بيت أخيها حزينة.
ومضت الأيام، وانقضت عدتها دون أن يُراجعها زوجها، ولكن بعد انقطاع العدة، ندم الزوج على فراق زوجته، وشعر بالرغبة الجامحة في العودة إليها، فذهب إلى أخيها يخطبها من جديد، وفرحت المرأة بذلك، ولكن فرحتها لم تدم طويلا، إذا رفض أخوها عودتها إلى زوجها وقال له: زوجتك وأكرمتك وأفرشتك، فطلقتها، ثم جئت تخطبها لا والله لا تعود إليها، وأصر على عدم تزويجها منه، رغم حبها له، وحبه لها.
وحزنت الزوجة، وحزن الزوج، ولكنهما لا يملكان من أمرهما شيئاً، فأخوها هو وليها الشرعي، الذي لديه حرية التصرف والأمر والنهي فيها، وفقا لعاداتهم القديمة، ولكن ذلك الضرر الواقع على عاتق المرأة شئ يرفضه الإسلام، ولذلك نزل جبريل – عليه السلام – يخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – الخبر، ويتلو عليه من آيات الله، ما خص به السيدة/ جميل بنت يسار، وحكم الله في قصتها، وما غُلبت عليه، قال تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (7) سورة البقرة – 232 –
فما كان من الرحمة المهداة – عليه الصلاة والسلام – إلا أن استدعى ذلك الأخ، وأعلمه حكم – الله – الذي خضع له، فعادت الزوجة إلى زوجها، والتأم شمل الأسرة من جديد.
أختي في الله: أرأيت كم السماحة؟! أرأيت كم دفع الضُر الذي ذخر بهما شرعنا الحنيف؟! أرأيت كم حرص ذلك الشرع على الارتقاء بإنسانية المرأة؟! أرأيت كم أسرع الوحي حاملا الحكم في القضية من قبل الحق – تبارك وتعالى – رافضا لكل ما يضر بآدمية وإنسانية المرأة؟!